جلس الرجل في المقهي المعتم ، كان الرواد من الجنسين غارقون في همومهم ، بعضهم يتثاءب ، وآخرون يلتقطون حبات الصمت كنجوم هاربة من عتمة الليل ، ظل الرجل يخترق الحاجز الزجاجي بنظراته ويتحرى إطلالة سيدة البهاء ، كان على موعد مع أحلى زهرة ، حدثته من قبل كثيرا عن الإحباط الممسك بتلابيب حياتها ، وكيف إنها تحلم برجل ، حديثه كالعطر ، وسلوكياته مثل نسمة على ضفاف القمر ، رجل يومياته مليئة بالضجيج والحراك والرحيل ، الرجل صارحها عديييل كده أن الرجل السوداني خالي الوفاض من مقومات الرومانسية ، ولا يعرف عنها شيء ، أصرت المرأ ة الهاربة من واقعها المؤلم ، أن هناك رومانسيون يركضون في فضاءات بعيدة ولكن سوء حظها أوقعها في أحد الخناشير ، رجل لا يعرف غير التكشيرة ، والضحكات المنطفئة ، ولا يبوح بأسراره ويكتم أحزانه في دواخله ، قالت .. أنها حاولت « لحلحته » وتحريك مشاعره ليكون رومانسيا على شاكلة ، أبطال الأفلام والمسلسلات ، الرديئة ولكنها فشلت ، ما جعلها تفكر في الانعتاق منه والهروب إلى دنياوات أخرى ، قالت له ممازحة . هل أنت رومانسي لحظتها ضحك الرجل حتى ظهرت أسنانه المهترئة من آثار التبغ والوجبات الرديئة . بصراحة يا سيدتي لست رومانسيا وكم بودي أن أكون كذلك ولكن ما باليد حيله . باغتته المرأة اللئيمة وهي تلوي بوزها وتحرك شفتيها كما كانت تفعل الممثلة الراحلة وداد حمدي أشهر خادمة في السينما المصرية. كنت قبل أن التقيك أتصور أنك يا عزيزي مرهف ورومانسي وكم كنت أتمني أن أجد فارسا مثلك ، أفرط عقد أيامي بين يديه . ضحك الرجل من كلمة « مرهف » وبدأ يضغط على مخارج الحروف مثل ثور محاصر في مسلخ ضيق . ممممممممرررر قلتي شنو يا زوله مرهف هذه آخر محطة يمكن ان أصل إليها يا سيدتي الجميلة فصاحبك كغيره من الرجال السودانيين يمتاز بالتكشيرة المعتبرة ، ولكنه يحاول التصالح مع حراك الحياة ويفتعل سيناروهات الرومانسية ، هروبا من واقعه المليء بالضبابية وأحزان الحياة . يتوغل الليل في عنفوانه مثل قمر يلتقط الحزن من هامات الشجر . سألته المرأة للمرة العاشرة وهي تمسح بقايا ضحكة منكسرة كنجمة هاربة في صحراء تغيب فيها ملامح الحياة . كيف يمكن أن أروض صاحبي ليتماشي مع إنفتاحي وحبي للحياة . في تلك اللحظة أشعل الرجل لفافة التبغ السابعة خلال دقائق معدودة وأنتفض مثل هر هارب من رياح أمشير . لا تصور إنك تستطعين ترويضه لأننا يا سيدتي أدمنا الخشونة ، ولا ينفع العطار ما أفسده الدهر . ولكن يا سيدي لا أريد ان أكون مثل زهرة في إصيص على الرف ، زهرة خالية من إيقاع الحياة . للأسف يا زهرتي الجميلة ، من حسن حظنا أن 99.9 في المائة من الرجال لدينا يركبون موجة الخشونة ولا تطرق الرومانسية أبواب قلوبهم المغلقة حتى إشعار آخر . قالت وهي تودعه يا « سم » ، جميعكم ، في الخشونة سوا . قالتها وهي تغادر المقهي وبقايا عطر منطفيء كان ما يزال يلف المكان .