تذكرت أديبنا النابه العبقري طيب الذكر معاوية محمد نور وأنا أتابع باهتمام زيارة الأستاذ علي عثمان النائب الأول لرئيس الجمهورية في قاهرة المعز.. فقد كان الراحل معاوية أديباً ألمعياً وكان في عز شبابه وهو في القاهرة محط اهتمام عدد من كبار الأدباء والشعراء المصريين.. وهناك سودانيون على مر العصور والدهور تركوا انطباعاً رائعاً وعظيماً لدى أهل مصر.. ولا أنس في عصرنا القريب هذا المغفور له بإذن الله العارف بالله الشيخ عبد الرحيم البرعي وقصيدته ذائعة الصيت(مصر المؤمنة) التي أدهش بها المصريين وهو يُعدد فيها أولياء الله الصالحين في مصر، ويذكر مناقبهم وآثارهم في نسج أدبي ونسق شعري فريد.. وزيارة الأستاذ علي عثمان في شقيها الرسمي والشعبي وجدت اهتماماً غير مسبوق من المصريين ساسة وإعلاميين ورجال أعمال.. وسودانيين مقيمين في القاهرة.. ورغم أن الزيارة تأخرت كثيراً عن موعدها المحدد.. إلا أنها جاءت في توقيت مهم جداً أعطى الزيارة بعدها الحقيقي وصورتها الزاهية في غير تزويق ولا تنميق.. ربما ليست ثمة علاقة وثيقة بين معاوية نور وبين الأستاذ علي عثمان ولكن كنت معجباً بمعاوية والأثر الأدبي الرفيع الذي أحدثه في قاهرة المعز وما لقيه من تقدير وتكريم بعد مماته وقد عاش حياة قصيرة حافلة.. وقد أعجبت بالأثر الذي أحدثته زيارة الأستاذ علي عثمان إلى مصر قبل أيام وهو يكشف عن جوانب من عبقريته في فكره السياسي وعلاقته الوثيقة بتاريخ وادي النيل وحاضره وملامح مستقبله وكذلك أدبه الرفيع.. وقوة الفكرة التي تكاد تسبق التعبير والألفاظ.. وزيارة النائب الأول لمصر جاءت في توقيت دقيق وصعب ومصر تعيش أياماً حزينة ومؤلمة وصعبة قاسية والفتنة تشتد ضراوة ويتسع نطاقها لتلتهم البلد وأهلها.. ولكنه لم يتأخر عن تلبية الزيارة وأداء الواجب ونثر سهام الحكمة من كنانة الدين والأدب والإخاء.. ومصر الشقيقة الغالية كانت تحتاج لأصوات الحكماء من الأشقاء والأصدقاء وتحتاج لكل من يمد يد العون لتتجاوز الفتن والمحن.. وكان السودان حاضراً في مصر بماضيه وصفحات تاريخه الحاضر وماضيه القريب.. لقد أوضح الأستاذ علي عثمان أن مصر ما تزال متماسكة وقوية بأهلها مسلمين ومسيحيين.. وأن محاولة تفتيت مصر وإدخالها في أتون ونار الفتنة الطائفية.. يأتي من باب جر المسلمين والمسيحيين إلى الفتنة الكبرى التي لا تبقي ولا تذر، فليس لمصر باب تؤتى منه غير الفتنة الطائفية بين المسلمين والأقباط وهو منزلق خطير سعت له الصهيونية قروناً طويلة.. ولكن ظل جدار الوحدة في مصر متماسكاً صلداً.. وها هي المحاولات اليائسة تكرر بطرق أعمق وأقسى وأشد.. وذلك لأن مصر الآن تنعتق من أسر الطاغية والجبروت وتستقبل عهداً جديداً من الحرية والعزة والكرامة.. ولقد سجلت ثورة مصر تلاحماً رائعاً أصيلاً بين الأقباط والمسلمين، فكيف يهدأ مشعلو الفتن ومصر تمضى قدماً في عهد جديد من التلاحم الحقيقي والمثمر والبناء نحو نهضتها الحديثة.. لابد من تحرك مضاد سريع قبل أن تمضي الثورة المصرية نحو غاياتها الكبرى بسواعد أبنائها من مسلمين ومسيحيين.. وأرى تحت الرماد وميض نار لها لهب..! ويشتعل لهب الفتنة وضرامها في ثوانٍ وبتخطيط ذكي ماكر وخبيث ودقيق وعلى مشهد من فضاء مفتوح لمئات الفضائيات وأجهزة الإعلام..! وها هو علي عثمان يقول: إن المؤسسة المصرية الدينية قادرة على وأد الفتنة في مهدها، وإن رجال الدين مسلمين ومسيحيين، قادرون على صب الماء العذب على زيت الفتنة العكر، وقادرون على تفويت الفرصة على الصهاينة والساعين من أجل إضعاف مصر وإبعادها عن دورها ومحيطها الوطني والعربي.. وجاءت مقابلته لفضيلة شيخ الأزهر وللأنبا شنودة في هذا الإطار الذي يؤكد حرص السودان على سلامة مصر وأمنها، وأن السودان سريع التأثر بما يحدث في أرض الكنانة، وما زلنا نردد: أنه إذا عطست مصر أصيب السودان بالعدوى، وكذلك الحال في السودان الذي يؤثر في حال مصر..! وشرح الأستاذ علي عثمان ما يتعرض له السودان من زمن بعيد من مؤمرات تحاك ضده ولا تنتهي.. فكلما عبر إلى مرحلة جديدة واسترد أنفاسه، أدخل في أتون قضية شائكة تستنزف موارده وإمكاناته وتجعل البلد في حالة صراع دائم لا يكاد ينتهي..! وقد أعجب الكثيرون بنظرية الأطراف والمركز، ورددت في أكثر من تعليق على ما ذكره الأستاذ علي عثمان وهو يوزع سهام كنانته في أكثر من محفل ومكان. ولم تكن الزيارة غارقة في بحر السياسة وحده.. ولكنها شملت مجالات أخرى مهمة، منها لقاءات الأخ النائب الأول مع رجال المال والأعمال المصريين، الذى أوضح بما لا يدع مجالاً للشك رغبة رجال الأعمال المصريين في الاستثمار في السودان، أن مناخ الاستثمار في السودان ما زال جاذباً للمستثمرين المصريين وهناك بعض التجارب الممتازة التي يمكن أن تعتبر مؤشراً مهماً، وأنموذجاً ممتازاً لنجاح الاستثمارات المصرية في السودان.. ولا شك أن الأخ الأستاذ كمال حسن علي سفيرنا في مصر، قد كان ناحجاً وموفقاً وهو ينظم برنامج زيارة دقيق وناجح وهو ثمرة خبرة طويلة في مصر التي جاء اختياره سفيراً للسودان بها اختياراً موفقاً جداً ستكون له ثماره الطيبة على المستوى القريب.. ولقد جاءت إفادات الدكتور يوسف الدقير وزير التعاون الدولي واضحة بليغة وهو يلخص في كلمات ما تحقق من نتائج ممتازة لزيارة النائب الأول علي عثمان لجمهورية مصر الشقيقة، نعم هناك مناخ جديد وصفحة جديدة تكتب في كتاب العلاقات السودانية المصرية، وسيكون للبلدان حظ وافر في كل مجالات التكامل بين البلدين الشقيقين.. وهناك ضرورة ملحة لكي تنطلق هذه العلاقات بقوة يرفدها النيل في جريانه وعنفوانه. وليس بعيداً عن العلاقات المصرية السودانية، فقد غادرنا قبل أيام الشاب المصري الخلوق سعادة المستشار محمد غريب الملحق الإعلامي المصري بعد انتهاء فترة عمله، ولقد نجح غريب بامتياز في تعزيز العلاقات الإعلامية بين البلدين، واستطاع في سهولة ويسر أن يكسب صداقات واسعة مع الإعلاميين السودانيين، وكان قلبه ومكتبه مفتوحاً للجميع، ولم يتوانَ مطلقاً في خدمة من يطرق بابه من أهل الإعلام أو أقربائهم أو أصدقائهم.. وقدم فرصاً جيدة للإعلاميين السودانيين في مجالات التدريب المختلفة.. وكان إنساناً صادقاً وصدوقاً ومحباً للسودان وأهله. التحيات الطيبات الزاكيات للأخ محمد غريب في قاهرة المعز.. ونرجو أن لا تنقطع صلاته مع أهل الإعلام في السودان.