في فترة وجيزة عقب انتصار الثورة الشعبية المصرية تتابعت زيارات المسؤولين السودانيين في أعلى مستويات السلطة فالسيد رئيس الجمهورية كان أول رئيس دولة يقوم بزيارة القاهرة ويلتقي بقياداتها العسكرية ومجلس وزرائها المدني وبعد زيارة السيد رئيس الجمهورية بفترة وجيزة ومصر الثورة ترتب أوضاعها قام الدكتور نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية ورجل المؤتمر الوطني القوي بزيارة مشهودة ونادرة الى القاهرة حيث إلتقى بالقوى الشعبية والأجهزة الرسمية الانتقالية ثم جاءت زيارة النائب الأول الأستاذ علي عثمان بعد تعيينه وإمساكه بزمام الجهاز التنفيذي بزيارة عملية ذات توجهات وأهداف محددة وواضحة، ضم وفد النائب الأول أهم قطاعات المجتمع المدني وهم اتحاد أصحاب العمل ورجال الأعمال الى جانب الوفد السياسي والأمني الذي صاحب النائب في زيارته. ما بين هذه الزيارات رفيعة المستوى تبادلت القوى السياسية والشعبية الزيارات والتي وصلت الى وصول وفد شباب الثورة المصرية وممثلي الأحزاب إلى الخرطوم والذي وجد الحفاوة الشعبية والرسمية ومن الجانب السوداني فالأشهر هي زيارة زعيم المؤتمر الشعبي الدكتور حسن الترابي والتحامه مع الثوار في ميدان التحرير. في مقالنا هذا نحاول تلمس بعض ملامح زيارة النائب الأول الأخيرة لمصر ومقاصد وتوجهات اللقاءات الرسمية والشعبية ولقاءآته بعدد من المفكرين وقيادات منظمات المجتمع المدني المصري ومرامي الأحاديث المتبادلة بين النائب الأول والنخب المصرية فيما يتعلّق بمستقبل العلاقة بين البلدين وتلك الأزلية التي ظلت عرضة لعدم التطور في الفترات السابقة بل وفي فترات أخرى من نهايات القرن الماضي توترت العلاقات بين النظام المصري السابق والنّظام السوداني ووصلت للإمساك بالحزز بين الدولتين. إن قراءة إحداثيات زيارة النائب الأول للقاهرة ولقاءآته تستصحب الظرف التاريخي الذي تمر به الشقيقة مصر بعد ثورة يناير التي فتحت الباب أمام الإرادة الجماهيرية والشعبية لتعبر عن توجهاتها في الشأن الداخلي والإقليمي والدولي والرغبة العارمة في عودة مصر لتلعب دورة الريادة والقيادة في المنطقة بعد أن انكفأت على نفسها عقب اتفاقية كامب ديفيد وأطلقت قياداتها شعار (مصر أولاً) ففقدت الأمة والإقليم بوصلة الإرادة في التصدي لأزمات المنطقة والدفاع المشترك بين شعوبها في مواجهة الهيمنة وسحل ثروات ومقدرات الشعوب العربية وعانت مصر في انكفاءتها من العزلة وإملاءات القوى الإمبريالية والصهيونية كما عانت دول المنطقة من التدخلات العسكرية والأجنبية كما حدث في العراق ومن الحصار والعقوبات كما حدث لجماهيرية القذافي بسبب أزمة لوكربي والحصار الذي تمّ فرضه على السودان وسياسات تمزيق الدول التي بدأت بالسودان وفي الأفق دول أخرى لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط الجديد. تلك باختصار الظروف التي أحاطت بزيارة النائب الأول وفي استيعاب كامل وإحاطة لما يجري في المنطقة الآن من ثورات يصعب التكهن بمآلاتها المستقبلية فإن العلاقة المصرية السودانية هي الحقيقة التي تمثل المحاور الثلاثة لقضية الشعبين وهي أن كل من الدولتين والشعبين سوف تجني مصالح سياسية واقتصادية واجتماعية في ظل ترقية هذه العلاقات والمحور الثاني أن العلاقة بين السودان ومصر سوف تكون نموذجاً لدول المنطقة من خلال الاستفادة من التجارب الوحدوية والتكاملية السابقة والتي كانت إحدى الدولتين طرفاً فيها فمصر تستفيد من تجربة الجمهورية العربية المتحدة مع سوريا والسودان ومصر تعيدان قراءة التجربة الوحدوية الثلاثية بين مصر عبد الناصر وسودان النميري وليبيا القذافي وتقف تجربة التكامل الليبي السوداني واحدة من روافد الخبرة للوحدة القادمة وإعادة قراءة الحريات الأربع والمجلس الوزاري المشترك في ظل التنافر المبطن بين نظام الإنقاذ وتوجهات الحزب الوطني المصري في العهد السابق عائقاً دون تنمية هذه العلاقات. أما المحور الثالث والأخير فإن دول المنطقة في اللحظات الآتية ستجد في مردود العلاقات المتطورة بين السودان ومصر مخرجاً لها من سلطان الغذاء وجبروته فقد ظلت دول المنطقة وحتى إندلاع ثوراتها الشعبية أسيرة الخبز والغذاء التي تمثل جزرة الدول الغربية ووسيلتها للضغط على الأنظمة وفرض إملاءاتها في العلاقات الخارجية والسياسات الداخلية لحكومات المنطقة. وقد تناول السيد نائب رئيس الجمهورية المحاور الثلاثة السابقة من خلال لقاءآته مع المسؤولين والقوى الشعبية والحزبية المصرية ولقاءاته مع رجال الأعمال وإشاراته في فتح باب علاقات المصلحة بين الدولتين في جانب الاستثمار للاستفادة من الخبرات المصرية التراكمية واستغلال الثروات الطبيعية التي يزخر بها السودان الى جانب فتح العلاقات الشعبية بين الدولتين وتراجع فيتو الأنظمة الحاكمة في الدولتين لإفساح الطريق لرغبات الشعوب. ولله الحمد