في حوار مطول يتخلله التحليل السياسي بيني وبين قطب حزبي من الصف الثاني ولكنه ناشط، خلص هذا القطب الى نتيجة غريبة هي أن هذا النظام محظوظ، فقلت له لعله يحسن أن نقول أنه موفق، فليس هناك بموجب مقتضيات التوحيد حظ أو صدفة، وإنما يجري كل شيء بقدر مقدور، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، وكانت مادة الحوار تدور حول أحداث الربيع العربي والمتغيرات التي غيرت عدداً من الأنظمة العربية، وبخاصة مايجاور السودان مصر وليبيا، وعبارة هذا النظام محظوظ ليس المقصود بها أن ربيع الثورات العربية لم يمر بالسودان، وإنما أن المتغيرات التي غيرت النظامين المصري والليبي مثلاً لمصلحة النظام السوداني، فعلاقته مع مصر كانت تتفاوت بين التوتر والتحفظ، أما علاقته مع ليبيا فقد كانت اشبه بالطبيعية في ظاهر الأمر، بينما هي في الحقيقة تمثل التوتر بعينه، ولعل نظامنا أراد لها ذلك حتى لا تفجر ليبيا القذافي في الخصومة، فتجاهر بالعداء السافر، وهي سياسة حكيمة في احتواء العداوات..ليبيا القذافي دعمت حركات دارفور الرافضة للسلام من حيث الايواء والمساندة العسكرية واللوجستية ذات الطبيعة غير المعلنة، بل أن هناك من القوى الحزبية من ظل يتلقى الدعم الليبي سراً، ولم يكشف نظامنا عن هذه العلاقة مع علمه بها إعمالاً للحكمة ذاتها، واليوم جفت منابع جميع هذه الدعومات تماماً، لذلك بادر نظامنا بدعم الثوار الليبيين منذ بداية ثورتهم، كما اعترف بذلك رئيس المجلس الانتقالي الليبي، بل أن النائب الأول سجل زيارة لهذا المجلس تعضيداً له حتى قبل سقوط بني وليد وسرت، وأجمع المحللون العرب على أن السودان كان أكبر من عانى من تدخلات ليبيا القذافي في شأنه الداخلي لزعزعة استقراره، أو حتى المشاركة في اسقاط نظامه، أما مصر فنظامنا- خصوصاً بعد زيارة النائب الأول لها- فالعلاقة معها تخطو خطوات عملية في هذه المرة نحو التعامل الاقتصادي القائم على تبادل المصالح، وفي الوقت نفسه كادت العلاقة مع دولة جنوب السودان تخرج من التوتر الى التصالح، وذلك لحل القضايا العالقة ربما على أساس أن يكون الانفصال سياسياً مع التكامل الاقتصادي، والتواصل الاجتماعي، ولعل زيارة سلفاكير للخرطوم مؤشر ليأس الحركة الشعبية بالجنوب عن احداث فرعها بالشمال لأي تغيير بعد دحره في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وقد سقط مخطط اسقاط النظام عن طريق ثورة الأطراف نحو المركز، لفرض السودان الجديد بالقوة، كما سقط من قبل مخطط اسقاط النظام بالتحالف مع المعارضة الشمالية (تحالف جوبا) في الفترة الانتقالية، وذلك تماماً كما سقط سابقاً مخطط اسقاط النظام عن طريق جيرانه والمعارضة المسلحة شمالية وجنوبية، وهو المخطط الذي تبنته الولاياتالمتحدة علناً في عهد الرئيس بيل كلنتون هل يمكن أن تكون هذه المخططات التي تفشل الواحد تلو الآخر من قبيل حظوط النظام السوداني، أم أنه فعل إلهي أريد به قضاء أمر مبرم لاتجدي معه هذه المخططات، وإن تعاظمت وان تلقت سنداً خارجياً مباشراً أو غير مباشر وخضت مع صديقي القطب الحزبي الناشط شتى التحليلات، فقال قوة النظام مستمدة من ضعف المعارضة، فقلت والجيران الذين دعموا المعارضة بالقوة العسكرية في مرحلة سابقة، قال الشعب لا يثورعلى النظام، لأن البديل الجاهز ضعيف يفرط في أمن البلاد، وهو الأهم من الاقتصاد، قلت أليس للنظام مكاسب خدمية وتنموية حققها لهذا الشعب كسد مروي، والطرق القومية، والكهرباء، والمياه، وهو يجتهد لاحتواء ارتفاع الأسعار المردود لظروف عالمية، جراء الأزمة المالية التي تجتاح دولاً صناعية، كما أنه يعود لتناقص الموارد البترولية، جاء انفصال الجنوب ومع ذلك النظام حلول اجتماعية لخفض تكلفة المعيشة، أهمها المشروع القومي للتأمين الصحي، وفتح النظام المصرفي لتمويل العمل الحر المنظم بين الشباب- التمويل الصغير والأصغر- وهكذا فإن مقولة أن النظام محظوظ تسقط أمام الوقائع، ولعل الأمر الإلهي الذي يريد الحق سبحانه وتعالى أن يقضيه بهذا النظام أن يكون خيراً كما هي المبشرات والإرهاصات.. والله المستعان.