إن السمات التي تفرد بها القوم هي التي ميزتهم عن غيرهم من رصفائهم من الأجيال البشرية الأخرى رغم أنهم قالوا: لا يسألون أخاهم حين يندبهم* في النائبات على ما قال برهانا فصح لهم ذلك بقول المجتبى (صلى الله عليه وسلم)- انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً- فأدركوا كيف ينصرون أخاهم مظلوماً.. ولكن كيف ينصرونه إن كان ظالماً.. بأن تنصحه تنهاه بمعنى ألا تسانده إن كان معتدياً على غيره.. وهم هم الذين قالوا: ونشرب إن وردنا الماء صفواً* ويشرب غيرنا كدراً وطينا وهم بعمق تسودهم النخوة والسخاء والشجاعة والإباء والمروءة وإكرام الضيف حتى قال شاعرهم: يا ضيفنا لوزرتنا لوجدتنا* نحن الضيوف وأنت رب المنزل وغير ذلك مما لا يسهل حصره.. لأنهم يتجددون جذوراً وآباءً وأبناءً وموطناً وظروفاً.. ولهم لسان وفصاحة لا تجاريها أمة من الأمم.. ولهذا قيل لهم.. جميعاً ( وكذلك جعلنكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) ومع ذلك كله فهم بنو آدم وكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.. ومن ذلكم الخطأ خطأ طائفة من الناس.. إذ كانوا يدخرون ليوم كالح.. أولئك هم طائفة (المسيرية) الذين عرفوا بالإقدام.. وإباء الضيم.. ولكن يعوزهم التعليم بتنوعه وانتشاره... لبيئتهم الرعوية المتنقلة الراحلة خلف قطعانهم وماشيتهم.. وإن كان يعلوهم نقاء البادية وطيبها وروحها المفرحة.. وهي روح لا تخلو منها دولة أو أمة في الأرض.. وقد حدثتكم يوماً عن (الأمريكان البقارة) في ولاية (جورجيا) الأمريكية.. موطن (كارتر) الرئيس.. ولكم أن تتخيلوا تطور وتوطين (الثقافة) ومجتمعات التسامح والإخاء.. ولذلك قيل لهم (المسلم أخو المسلم) لا يظلمه ولا يحقره ولا يسلمه- إن اعتورته- نازلة أو عدو جائر- وقد أنزل إلينا المولى سبحانه (آياته) وإعجازه في قبيلة (قريش) وهم قوم رحل ينتقلون في رحلتهم تلك صيفاً ورهاط شتاءً.. فخلد الله عز وجل وجودهم وتجوالهم ذاك.. وليفطنوا لمنة الله عليهم.. إذ في إلفتهم وتماسكهم وحبهم للتنقل خلف ظعائنهم وحيواناتهم.. فقد أفسح الله لهم الطمأنينة والأمان.. فلا يزعزعهم أو يخوفهم شيء.. وفي ذات الوقت أغدق عليهم نعمة المأكل والإدام.. ولهذا عليهم أن يشكروا الله ويعبدوه.. وهم قبيلة (قريش) التي قال عنها جل جلاله (لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطمعهم من جوع وآمنهم من خوف) والإقتباس والتماثل هنا يرد على قبيلة (المسيرية) الذين يتنقلون بماشيتهم متجهين من مصائفهم جنوب السودان (ديار المسيرية) وذلك في بداية شهر (يونيو) من كل عام ثم يقضون (ثلاثة) أشهر كاملة بالشمال (أياً كان) ثم في (اكتوبر) يتحركون عائدين.. هم وماشيتهم وظعائنهم متجهين جنوباً... طلباً للكلأ والماء.. ويستقرون (سبعة ) أشهر حول (الفولة) و (بابنوسة) و (المجلد) و (الميرم) و (كيلك) و (لقاوة) و (الجبال الغربية) مثلهم مثل أهلهم الآخرين بالخط الشرقي.. عرب (أولاد حميد) و (كنانة) والآخرين في الخط الأوسط .. عرب (الحوازمة) ومن معهم فهم (أي المسيرية) بهذا الترحال يتباهون ويفرحون بحفظ ورعاية وتسمين ماشيتهم.. ولكل قطيع من هذه الظعائن والماشية (زعيم) و (حكيم) وهم .. هم الذين قال شاعرهم: لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم* ولا حياة إذا جهالهم سادوا فهم أينما حطوا رحالهم أو استقروا يسودهم التنسيق والتعايش والاحترام المتبادل.. لا النزوات في المرعى والمشرب.. الذي تقول (حكمته)- الناس شركاء في ثلاث (الماء والكلأ والنار) ثم إن الله (يزع بالسلطان). أي يردع ويقوم ويعاقب من تعدى حدوده الدستورية والقانونية و (العرفية) إلا أن هذا الذي يتكرر بين داخل بطون ( المسيرية) لأمر يحتاج لوقفة وتحليل حتى لا تسري العدوى والتجاوز.. ونحن في (عصر) بهرته العلوم الكونية ووسائل التواصل والنقل المباشر.. وقد قرأ (الجميع) على شريط التلفزيون عبر قناة (الجزيرة) - إن المسيرية قد سحقوا بعضهم بالعشرات في معارك قبلية بينهم- منتصف (اكتوبر) هذا وهذا أمر مذهل مهيب .. إذ (المسيرية) فئة عريضة متعددة البطون.. فالخبر صحيح.. إن المعركة والمواجهة بين (المسيرية) فيما بينهم.. وهذا مؤسف جداً.. لكن يخفف من ذلك أنها مواجهة بين (بطنين) فقط هما ( أولاد سرور) و (أولاد هيبان) وقد أسرع أولاد المسيرية جميعهم.. المثقفون والإدارات بالعاصمة الخرطوم والمدن الأخرى.. وتعاونوا مع لجان (العرف) وأجهزة الدولة.. وأوقفوا هذا النزيف.. إذ السودان يحزنه ذلك.. والعدل والطمأنينة هي قواسم عظيمة مشتركة لانسياب الحياة وخدمة الناس وتطورهم.. والتأهب.. فإذا اعترت هذه المجموعة روح الشاعر القديم الذي قال: ألا لا يجهلن أحد علينا* فنجهل فوق جهل الجاهلينا فهؤلاء إذن من الجهلاء.. والجهل قد يكون نقصاً في الوعي والتعليم.. وقد يكون (انبهاماً) في الحكمة والرشد.. فيفتل كل (عضلته) ويبرز مديته (أي سلاحه).. وما أدراك ما (سلاحه) الذي كان يحوط به نفسه إبان معارك الاستشهاد.. والموت الزؤام للآخرين.. لكن السلم الذي ساد.. والذي ضحى فيه (المسيرية) و (إخوانهم) الآخرون.. ضحوا بولايتهم (غرب كردفان) أما وقد امتطى القوم رياح العدوان واحتقار بعضهم فإن الدولة يجب أن تكون على مقربة بل على مفترق كل (فريق) و (طريق) و (الحكماء) و (المفكرون) و (المثقفون) لا يكونون (عشرين) فقط.. بل في كل زاوية ومرحال.. فهذا هو يومهم.. وأن تكون أرض الواقع هي (الصرف) و (التمكين) لإقامة وإنزال الهيبة والعدل وإفشاء الدروس لكل مستقبل في السودان قاطبة.. فيعود الناس إخواناً متحابين يتأهبون للنوازل والمعتدين (أياً كانوا).. فانظروا حولكم فإن (الآخر) يتربص بكم.. وأن سركم (البترول) بأرضكم و (المعادن) الأخرى.. فإنّ العطاء والتعويض يكون للمتضرر (ذاتياً) ثم تكون المآلات كلها لخدمة الجميع.. والتعليم والقرآن وبيوت الله مأواكم.. ومآل مرعاكم وترحالكم .. وماشيتكم.. وهذا هو (الرشاد).. ألا هل بلغت.. اللهم فأشهد.