يتدفق النيل الأزرق غرباً من منبعه في بحيرة «تانا» بالهضبة الأثيوبية، ليمنح مسببات الحياة للإنسان والأرض والزرع والضرع، في السودان ومصر، وينضم النيل الأبيض إلى شقيقه الأزرق، فيلتقيان في الخرطوم، حيث يبدأ النيل الذي يواصل سيره وجريانه وتدفقه شمالاً يمر بأرض الكنانة، يهب الحياة لإنسانها وأرضها، لتصبح مصر، كما قال هيروديت - بحق - هبة النيل. عدتُ بالأمس من جمهورية أثيوبيا الفيدرالية الشقيقة، وهذا هو اسمها الرسمي، ونحن نعرفها باسم الحبشة، ولها من الأسماء كثير، أكثرها شهرة وسط أهلها اسم «اباسينا» و«أكسوم» و«الحبشة» نفسها. عدتُ بالأمس بعد أن قضَّيت أسبوعاً بأكمله في العاصمة الجميلة الخضراء «أديس أبابا» مشاركاً في أعمال المؤتمر الاقتصادي الأفريقي، الذي إمتد من الخامس والعشرين إلى الثامن والعشرين من أكتوبر 2011م، وقد سبقت إنطلاقة أعمال المؤتمر، ورشة عمل إعدادية للصحفيين، ولبعض أعضاء الوفود الأفريقية المشاركين فيه. مثَّل السودان وفد رسمي واحد ضم الأساتذة سيد حمداني من وزارة المالية، والدكتور كباشي سليمان من جامعة الخرطوم، ورجاء عثمان من بنك السودان، بينما شارك من السودانيين ممثلاً لمنظمة الإيقاد زميلنا الأستاذ الصادق عبد الله، الذي يشغل منصب مدير إدارة التعاون الاقتصادي، والتنمية الاجتماعية، وكاتب هذه الزاوية، ممثلاً للصحافة السودانية، وذلك بدعوة كريمة من اللجنة الاقتصادية الأفريقية بالأمم المتحدة. وقد شهد مركز المؤتمرات التابع للأمم المتحدة بالعاصمة الأثيوبية عدة مؤتمرات ذات صلة بالنظام الاقتصادي والبيئي والاجتماعي، وشارك السودان في كل تلك المؤتمرات بوفود رفيعة، وتزامنت مع تلك المؤتمرات أنشطة مختلفة ذات صلة بالموضوعات الثلاثة، من بينها نشاط سوداني خالص تمثل في ورشة عمل نظمتها شركة النيل للبترول المحدودة، عن تجربة خلط الإيثانول مع البنزين، لتقليل نسبة التلوث، وهي تجربة قامت بها شركة النيل للبترول السودانية، ونفذتها وقادتها في أثيوبيا، وبدأت التجربة بخمسة في المائة ايثانول من نسبة وقود السيارات، ارتفعت تدريجياً إلى عشرة، وربما ارتفعت لاحقاً إلى أكثر من ذلك. التقيت بالسيد نصر الدين الحسين مدير إدارة شركة النيل بالسودان الذي كان يزور أديس أبابا - ولا زال - لتقييم التجربة التي نفذتها شركته هناك، كما التقيت بالسيد عبد اللطيف أحمد مدير شركة النيل، فرع أثيوبيا على مائدة عشاء دعانا لها سعادة السيد الفريق أول عبد الرحمن سر الختم سفير السودان هناك، وقدَّم لي الرجلان شرحاً مطولاً للتجربة التي نجحت هناك. مساء أمس الأول أقامت شركة النيل للبترول إحتفالاً بمناسبة نجاح تجربتها في أحد المسارح الشعبية الأثيوبية، دعت له سفيرنا بأثيوبيا، وشهده المهندس كمال علي وزير الري الذي كان عائداً من«كيجالي» إلى الخرطوم عن طريق «أديس أبابا»، بعد أن شارك في أحد المؤتمرات هناك. التجربة مدهشة، وتستحق التأمل والدراسة والنظر في أمر تطبيقها بالسودان، بعد أن خرج الجنوب بنفطه عن منظومة الطاقة في السودان، وقد عوَّض الله بلادنا بكميات كبيرة من الإيثانول تنتجها «كنانة» ويتم تصديرها إلى الخارج. علمت من ممثلي النيل للبترول، أن التجربة تجد سنداً ودعماً من كنانة، ممثلة في السيد محمد المرضي التجاني، وأحسب أنها تجد منا المساندة والدعم لأن العائد من عملية (الخلط) كبير. قلتُ لممثلي النيل للبترول، إن شركتهما عكست اتجاه النيل، فأصبح يجري من بلادنا إلى الهضبة الأثيوبية، بدلاً عما هو واقع.