وما زلت في حضرة ساعي البريد.. الايميل.. بعيداً عن حداء وبكاء الجميل البديع.. الرفيع.. ملك الكلمة المجنحة.. بل الكلمة الفراشة.. أبو قطاطي.. وهو ينوح.. خطاباتي البوديها تقول لا بتمشي لا حاجة.. لا أحبتي.. كلماتكم وصلت.. صافحتها بل صافحت عيوني.. واستقرت مطمئنة.. متوهطة في آخر بوصة في سويداء قلبي.. وها أنا أواصل نثر أزهاركم الملونة.. وهي تضئ شاشة الايميل.. وطبعاً.. أرد عليها بما تستحق من احتفال واحتفاء.. وها هي رسالة من قارئ.. هو من الجيل الحالي.. الجيل المسكين.. الفقير إبداعاً.. وإدراكاً وصلابة.. ومعرفة.. إليكم الرسالة.. الأستاذ مؤمن.. أنت ود.يحيى التكينة.. دائماً تنتقدون جيلنا وتعظمون وتمجدون جيلكم المحظوظ، ولو تبدلت الأحوال وعاد لكم الشباب وزهوه في هذه الأيام لما استطعتم أن تحركوا ساكناً ولما اشعلتم عود كبريت ناهيك من أن تشعلوا ثورة تقتلع دكتاتورية، نحن الآن نرث تركتكم الثقيلة يا جيل الأمس السعيد بمجده الذي ناله بسهولة، فقل لي ما هي القواعد الأساسية التي أرساها جيلكم عقب كفاحه وانتصار جماهيره في أكتوبر وأبريل، وما تراه اليوم وتعايشه دون أن تحرك ساكناً بداعي أن زمانكم قد فات ما هو إلا نتاج تخاذلكم عقب نجاح الثورتين اللتين تفاخر بهما.. أنظر ما تقوم به ثورة الشباب المصري هذه الأيام عقب نجاح جزءها الأول.. فهل عاد الشباب إلى منازلهم أم هم عاكفون على صياغة حاضر ومستقبل مصر إلى يوم الدين؟؟ وهل جلهم شباب أم معهم الشيوخ والنساء والأطفال؟؟ كن شجاعاً واعترف بفشل ثورتكم في أكتوبر وأبريل لأنها لم تفكر في مستقبل السودان والذي أضحى حاضراً الآن. قارئ ü من المحرر.. يا صديقي.. أولاً.. شكراً لرسالتك التي تفيض أسى.. وتتدفق دموعاً.. يسربلها اليأس ويدثرها القنوط.. وتلفها ظلال الضباب.. وتنبهم أمامها الدروب وينسد في وجهها الأفق.. ورحابة الفضاء.. ثم.. إنه لا مكان للحظ أبداً في صناعة التاريخ.. والأوطان.. وبناء الحاضر.. وإشادة البنيان.. الحظ يا صديقي.. أو يا بني.. هو فقط في سحب أوراق اليانصيب الذي هو محرم الآن.. الحظ أيضاً في «اللوتري» ذاك الحلم والأمل الذي صار هو محور ومعقل تفكير جيلكم الآن.. أيضاً الحظ هو أن يهبك الله بركات وفضائل وهبات ليلة القدر والتي هي منحة وهبة من الواهب العطاي.. هذا عن الحظ يا صديقي.. ثم.. تقول.. لو عاد لكم الشباب وزهوه لما استطعتم أن تحركوا ساكناً.. إلى آخر حديثك وهنا أقول.. لن يعود لنا الشباب وزهوه منفرداً.. سيعود لنا ذاك الزمن البهي بكل ألوانه.. سيعود لنا الزمن بكل نجومه وأقماره.. تعود لنا أيام مجد وقتال ونضال في كل أرجاء الكوكب.. تعود لنا الستينيات بكل عطرها وبارودها وأبطالها تعود لنا أفريقيا وهي تتفجر نيازكاً و تشتعل أقباساً أضاءت كل جنبات الدنيا.. يعود لنا ناصر وهو يهز الأرض تحت أقدام الاستعمار.. يعود معنا سامورا ميشيل.. يعود معه اغستينو نيتو.. يعود في رفقتهم روبرت موجابي.. يعود الجنرال جياب ورفيقه ورئيسه هوتشي منه.. تعود هزائم الاستعمار الفرنسي في ديان بيان فو.. ثم هزيمة اليانكي المذلة في هانوي.. يعود تاج السر الحسن وهو ينشد.. يا صحابي صانعي المجد لشعبي.. يغني في فرح طير طليق ونحن نصفق يا جزائر.. ها هنا يختلط القوس الموشى.. ها هنا من كل دار كل ممشى.. ولا ينسى تاج السر أن يذهب إلى ميدان الحرية في أندونيسيا.. ليهتف.. لست أدري يا صحابي فأنا ما زرت يوماً أندونيسيا.. أرض سوكارنو ولا شاهدت روسيا.. وهل أزيدك كيل بعير.. نعم.. من هذه الحديقة.. نبتت.. زهرة بل شجرة الطيب صالح.. وغطت تعريشة الوطن صفق شجرة علي المك.. وأنشد الهادي آدم.. حتى افتتنت بل «جنت» بكلماته أم كلثوم.. وغداً تأتلق الجنة أنهاراً وظلاً.. نحن من كنا تربة أنجبت العملاق وردي.. والمبدع عثمان حسين.. والمثقف حد القيف كابلي.. وما زالت صفحة «الألبوم» تشرق وتضئ.. وهاك اسقاطنا عبود في صور مرسومة بدم القرشي ونصار.. وصورة أخرى تحكي لك طرد «نميري» وكل الأشرار.. وهذه بعض من ملامح جيلي أنا.. وها هي المجامع تجمعنا.. إذن بالله عليك أرِنا بعض ملامح جيل.. الجلابية بيضا مكوية.. وبشاعة.. أملاني رصاص.. لك تحياتي مؤمن