لقد أخطأت بالأمس.. ليس خطأ جسيماً.. ولا بسيطاً.. بل هو خطأ حميد... بهيج.. وجميل وعزيز.. أعتز به لا أشعر بوخز ضمير.. ولا حرج ولا تقصير.. فقد خلطت بين شخوص.. أحبة.. ومزجت بين نيل ونهر.. وجدول.. ومزجت بين عطر ووردة.. وأدخلت بؤرة نور في هالة ضوء.. كل جريرتي.. كل خطئي.. هو أني قد نسيت في معرض عمودي بل في قلب ساحتي.. ساحة شمس المشارق... أو هي حقل النّار.. نسيت كلمات مكتوبة بأعواد مشاعل.. بل بأطراف أسنّة وخناجر.. كلمات محفورة في أفئدة وقلوب الشرفاء من أبناء شعبي.. مطبوعة في تجاويف صدور أبناء أمتي.. الذين ظلوا وما فتئوا يرددون ويطربون.. وينشدون.. عند النوازل.. والمعارك.. أي المشانق لم نزلزل بالثبات وقارها.. نسبتها للصديق الدبلوماسي.. ذاك الذي كتب قطار الغرب.. ثم كان هو لسان الأمة في أكتوبر وهو يكتب أمتي.. المحتشدة بالأكتوبريات.. والنشيد أو ذاك الذي زلزل حتى الموت.. كان للجيل البديع.. الوديع الضمير.. علي عبد القيوم آه يا علي.. كم كان مراً وداعك.. كم كان مزلزلاً رحيلك.. كم كان صادماً وحارقاً ودامياً صعودك إلى أعلى.. وأنت تغادرنا.. خلسة وبلا وداع.. العزاء.. أنك حتماً وبإذن الواهب العطّاي .. في الفراديس جزاءً وفاقاً.. لذاك الفرح الذي نثرته كوابل المطر.. رزازاً بديعاً منعشاً في صدور أمتك.. نذكرك يا علي عبد القيوم.. كلما.. تغنى وردي... عند الملمات.. عند غضبة الشعب.. عند الأهوال والأحداث الجّسام.. نذكرك ونذكر.. كلماتك مجلجلة في الفضاء.. أي المشارق لم نغازل شمسها ونميط عن زيف الغموض خمارها.. أي المشانق لم نزلزل بالثبات وقارها.. أي الأناشيد السماويات لم نشدو لأعراس الجديد بشاشة أوتارها.. يا إلهي ما كل هذا المحال.. كل هذا الجلال.. أنا أعود... بل كل الدنيا تعود مسرعة القهقري.. إلى زمن وسنين وسنوات الستينات.. وحركات التحرر الوطني تلهب فضاء آسيا وأفريقيا.. والوطن العربي تملأ طرقاته وساحاته أقدام الشعوب.. تشق فضاءاته قبضات الثوار.. نحن اليوم نعيش الأيام تلك الزاهيات.. لا يعود علي عبد القيوم وحده يعود معه ود المكي... نعم ود المكي.. بالله عليك ياود المكي تعال.. تعال من الغرب ذاك الدامي.. أنا أعلم أنّك تحمل الوطن (صرة في خيط) حلاً وترحالاً.. تحلم معنا وأنت في بلاد اليانكي.. تبكي معنا وأنت في قلب الدنيا الجديدة.. تفرح معنا.. وأنت ترسل روحك الأبية النبيلة.. لنا في كل شبر في الوطن الجليل.. عد لتشهد صحوة الشعوب التي تركتها تغط في نوم عميق... تركتها تحلم في خدر لذيذ.. تعال يا ود المكي.. لتنشد كما كنت تنشد.. لشعبك.. ولأمتك.. من غيرنا يعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتصر.. من غيرنا ليقرر التاريخ والقيم الجديدة والسير.. من غيرنا لصياغة الدنيا وتركيب الحياة القادمة.. جيل العطاء المستجيش ضراوة ومصادمة.. المستميت على المبادئ مؤمناً المشرئب إلى السماء لينتقي صدر السماء لشعبنا.. جيلي أنا.. يا ودالمكي.. لا تقل وأنا لن أقول.. لقد هرمنا.. إنّ أرواحنا قد حلت في هذا الجيل العربي.. الزنجي.. الآسيوي.. مثل الروح القدسية.. لقد عبأ هذا الجيل من كلماتكم السنابل والقنابل.. حتى ارتوى.. تعال يا ود المكي.. لتشهد المصابيح تضاء مرة أخرى.. كما برقت وأضاءت ونوّرت في تلك الأيام المجيدة.. أيام باندونق.. أيام سامورا ميشيل.. أيام أغستينو نيتو.. أيام سوكارنو.. أيام ناصر.. أيام جومو.. أيام لوممبا.. وأنت .. أين أنت يا تاج السر الحسن.. بالله عليك.. اصعد إلى أعلى مبنى في الجامعة الأهلية أنظر حولك جيداً.. حتماً أنك تكتب مرة أخرى نسخة أخرى من آسيا وأفريقيا.. أعد لنا تلك الكلمات التي تضيء عتمة الليل التي تمزق الأستار والأكفان ليملأ هواء الحياة في الأحياء.. اكتب لنا فأنت فنان وماهر.. اكتب لنا لنفرح كما كنّا نفرح ونشدو.. ونزهو وننشد.. يا صحابي صانعي المجد لشعبي.. يا شموعاً ضوؤها الأخضر قلبي.. وأنا في قلب أفريقيا فدائي.. يا صحابي وعلى وهران يمشي أصدقائي.. والقتال الحر يجري في دمائي.. وعلى باندونق تمتد سمائي.. يارفاقي فأنا مازرت يوماً أندونسيا.. أرض سوكارنو ولا شاهدت روسيا.. غير أني والسنا في أرض أفريقيا الجديدة.. والدجى يشرب من ضوء النجيمات البعيدة.. قد رأيت النّاس في قلب الملايو مثلما امتد كضوء الفجر يوم.. مصر يا أخت بلادي يا شقيقة. صديقي.. السفير ود المكي.. والله نحن نتحرّق لكم شوقاً.. ثم هل تصدق ياسعادة السفير أن قطارك.. قطار الغرب مازال يبكي.. مازال.. يئن.. مازال يزفر.. مازال يردد ما أتعس رأس مشلول الأقدام.