لا أدري بالتحديد السبب في تسمية دورة لعب الورق بالعشرة، ومن يفوز يقال إنه أخذ العشرة، ويقول دهاقنة لعب الورق إن الثالثة واقعة، بمعنى أنه من كان محظوظاً وأخذ عشرتين متتاليتين لن يأخذ الثالثة، وهي في تقديري مأخوذة من تجارب الماضي، عندما كان طب القلب بدائياً، وعندما يصاب الشخص لأول بنوبة قلبية بسبب انسداد أحد الشرايين الرئيسية الثلاثة، ويعافى المريض بمسكنات، ثم يصاب مرة ثانية بنفس الأعراض وبصورة أعنف نتيجة لانسداد شريان تاج، ويعافى مؤقتاً، وفي المرة الثالثة عندما يتم انسداد الشريان الثالث يتوفى الشخص بسبب تراكم إنسداد الشرايين الرئيسية،، لذلك يقولون الثالثة واقعة والله أعلم. سادت في العشرة الأولى للإنقاذ 1989-1999م الشرعية الثورية، والتمكين لكل أعضاء الحركة الإسلامية المنظمة منذ أكثر من خمسين عاماً في المدارس والجامعات، خاصة جامعة الخرطوم، والتي تبوأ فيها الاتجاه الإسلامي- (وهذا كان اسم الحركة الإسلامية المعلن في جامعة الخرطوم بعد أكتوبر عام 1965م)- قيادة دورات مؤثرة في اتحاد طلاب جامعة الخرطوم حتى عندما كانت الانتخابات بالتمثيل النسبي، وكان من أبرز رؤساء الاتحاد المرحوم الأستاذ حافظ الشيخ الزاكي في بداية حكومة مايو 1969م، والمرحوم ود المكي في العشرة الثانية لثورة مايو. في نهاية العشرة الأولى للإنقاذ حدثت المفاصلة المشهورة، وانقسام الحركة الإسلامية، وتكوين المؤتمر الشعبي بقيادة د. حسن الترابي. العشرة الثانية (2000-2009) شهدت انفتاح المؤتمر الوطني على أعضاء من خارج الحركة الإسلامية التاريخية، وتم انضمام أعداد كبيرة للمؤتمر الوطني من خارج الحركة الإسلامية وخارج المسلمين من بعض الأخوة الجنوبيين والأقباط، وآخرين غير مسلمين من أصول عربية وغير عربية، ومازالت الحركة الإسلامية التاريخية عاملة ومنظمة كتيار مؤثر داخل المؤتمر الوطني،، عضوية المؤتمر الوطني خارج تنظيم الحركة الإسلامية في تزايد كبير، ولكنها غير مؤثرة في إدارة السياسات الاستراتيجية والتنفيذية للدولة. هذه العشرة الثانية شهدت طفرة نوعية في بداية التحول الديمقراطي، اتيح فيها قدر كبير من الحريات خاصة الصحفية، وتنظيمات الأحزاب بكل نشاطها في الندوات- الاحتجاجات- والمؤتمرات- وشهدت طفرة أيضاً كبيرة في التنمية في مجالات تصدير البترول، البنيات التحتية، خاصة في الكهرباء والمياه والصحة والتعليم. أبرز حدث في هذه العشرة هو وقف الحرب الأهلية الممتدة منذ 1955م، وذلك بتوقيع إتفاقية السلام الشامل في يناير 2005م، وتكوين حكومة الوحدة الوطنية وبرلمان الوحدة، الذي ضم نواب الحركة الشعبية.. شهدت هذه العشرة استقراراً أمنياً واضحاً في جميع أنحاء البلاد ماعدا دارفور، والتي بدأ فيها انحسار الحرب المدمرة، وشهدت أيضاً استقراراً أقتصادياً كبيراً وتوفراً في السلع، وساد فيها سعر صرف الدولار في حدود إثنين جنيه لفترات طويلة، بسبب تزايد عائدات صادر البترول، وتوقف أو انخفض الصرف الهائل على الحرب.. العشرة الثالثة 2010-2019م سأتناولها في ثلاثة محاور في ثلاث مقالات،، والمحاور الثلاث مرتبطة في تسلل حتمي منطقي، وهي المحور السياسي والأمني، محور الانتاج والتنمية، وأخيراً محور المواطن ورفاهيته. العشرة الثالثة بدأت وفي بدايتها بدأت إجراءات الانتخابات والاستفتاء على مصير الجنوب، وتمت الانتخابات والاستفتاء في هدوء دون شيء يعكر صفو الأمن، على عكس ما كان متوقعاً، وتمت في بداية هذه العشرة الثالثة أعمق حادثة في تاريخ السودان، وهي التصويت في الاستفتاء بما يشبه الاجماع على الانفصال، والذي تم فعلياً في يوليو 2011م بإعلان دولة جنوب السودان، واعتراف حكومة السودان بها فور الإعلان.. شهدت الأشهر العشرة من هذا العام تدهوراً سريعاً في البنية الاقتصادية بسعر صرف الدولار كمؤشر مهم، إذ قارب سعره الخمسة جنيهات، وأستقر إلى الآن في حدود الأربع جنيهات، أي بزيادة 150% عن سعره قبل عام تقريباً، وشهدت البلاد في الأشهر القليلة الماضية ضائقة معيشية كبرى في أسعار السلع الضرورية وتوفرها، وبدأ المواطن يجأر بالشكوى والتذمر، وزاد الأمر سوءاً وانقلب التفاؤل تشاؤماً وتوجساً على مستقبل البلاد، بارتفاع التوتر بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، واندلاع الحروبات المفاجئ في جنوب كردفان والنيل الأزرق وأبيي. أتمنى وليسي لي غير التمني أن يعم السلام ويسود الأمن في هذه العشرة الثالثة، حتى نلتفت إلى التنمية وإعادة تأهيل الزراعة والصناعة، التي تدهورت بصورة خطيرة،، والاستغلال الأمثل لهذه الثروات الطبيعية الهائلة المتجددة، وهي بدورها وبعد تحقيقها تفضي بالضرورة إلى رفاهية المواطن، وكما عرفنا الرفاهية سابقاً هي ليست كما يفهمها الكثيرون، وهم مخطئون بأنها العمارات الشاهقة، العربات الفارهة، المساكن الفاخرة، ومراكز التسوق الهائلة، هي ببساطة كما يعرفها علماء الاقتصاد قدرة الغالبية العظمى من المواطنين على الحصول على السلع المتوفرة والخدمات الضرورية المتاحة- (الدواء، العلاج، التعليم، المواصلات، الكهرباء، الماء)،، في هذا المقال الأول أتناول المحور السياسي والأمني، وأقول إنه وبعد النجاح والانتصارات في كافة الجبهات والتفوق العسكري الواضح، يجب الكف عن الأفراط في استعمال القوة العسكرية، لأن الافراط في القوة في كل شيء يؤدي حتماً وبالضرورة الى الضعف والانهيار المفاجئ بتدخل عوامل وعناصر غير منظورة أو متوقعة من قوى خارجية، بالتعاون مع أخرى داخلية، تنظر وتراقب وتسعى وتتمنى مواصلة هذا الافراط في القوة، حتى تكتمل حلقات ومبررات التدخل السريع الأقوى.. في ممارستنا العادية، وفي علم الميكانيكا الافراط والحماس في ربط (صامولة) يؤدي إلى انهيار الربط فجأة (الصامولة تتحلج)،، ليبيا وبكل قوتها العسكرية وقيادتها الشرسة العنيدة إنهارت فجأة، بسبب اكتمال حلقات ومبررات الافراط في القوة، التدخل السريع لطائرات وصواريخ حلف الناتو، الذي جعل العقيد القذافي يخرج من حصونه المتينة في طرابلس، وساهمت طائرات الحلف مساهمة مباشرة في القاء القبض على القذافي وقتله بواسطة الثوار، وانتهت- في لحظات- كل قوة القذافي ونداءاته الشهيرة (إلى الأمام وزنقة زنقة). عليه وحتى لا تقع العشرة الثالثة والتي يجب أن نعمل كلنا على ألا تقع أبداً لأن في وقوعها الموت والدمار لهذا الشعب المسالم في ليبيا، تم التغيير بعد موت مائه وخمسين الف شهيد من تعداد سكان ليبيا البالغ خمسة ملايين وسبعمائة الف نسمة في عام 2011م ومساحة 1.8 مليون كيلومتر مربع،، تعداد سكان السودان في عام 2011م يبلغ 31 مليون نسمة في مساحة 1.9 مليون كيلومتر،، وإعمالاً لمعادلة حسابية بسيطة نحن سنفقد 816 ألف شهيداً حتى يتم التغيير.. الحياة محكومة بنمط يمكن أن يتكرر، كما حدث عبر تاريخ البشرية الطويل، ولكن بدرجات متفاوتة حسب درجة تسامح وسمو من هم يملكون القوة، ووعي وإدارك الشعوب وشعورها الوطني، وتجرد قادتها المعارضين الذين لا يموتون مع العامة البسطاء.. في مصر وسكانها 81 مليون ومساحتها 387 ألف كيلومتر مربع عدد الشهداء فقط بضع مئات، وكذلك تونس وسكانها 11 مليون في مساحة 164 ألف كيلو متر مربع، الآن بدأت درجة التسامح تعلو، والمؤتمر الوطني يدعو في صدق الوطنيين من الأحزاب المشاركة في الحكم بإذلاً كل التنازلات المعقولة، وبذلك يكون المطلوب من المؤتمر الوطني العمل والالتزام الكامل بوقف كل الحروب في كل الجبهات، وإعادة النظر في رفض الاتفاقات الدولية والاقليمية الموقعة منذ شهور، بعد تعديلها بما يناسب المرحلة، مثل الاتفاق الإطاري، واتفاق أبيي، واتفاق جديد لجنوب كردفان.. إضافة إلى حل كل المسائل العالقة مع الجنوب، وخلق علاقة ودية حقيقية بكل القناعات،، نعم الجنوب يتضرر أكثر الآن وإلى حين قصير، لكن الشمال أيضاً يتضرر أقل، ولكن لفترة أطول، وبهذا تكون محصلة الضرر للشمال والجنوب متساوية. السودان الآن الأقوى، والعفو والتسامح عند المقدرة فضيلة إسلامية وقيمة إنسانية، وليس لي غير التمني. üمستشار مهندس