اشتهر عرب العليقات بتنظيمهم للتجارة بين الهند وشمال أفريقيا حينما كانوا يديرون ويشرفون على ميناء (ميذاب) على ساحل البحر الأحمر، فقد كان هو الميناء الوحيد قبل موانيء سواكن والبحر الأحمر. نزح عرب العليقات من الجزيرة العربية عبر البحر الأحمر إلى أرض النوبة السفلي عام 1517م عند سقوط مصر في يد الدولة العثمانية بقيادة السلطان سليم الأول، وهم من سلالة الأشراف الذين ينتهي نسبهم إلى عقيل بن أبي طالب، أوكل إليهم أيضاً خفارة درب الأربعين لحراسة التجارة بين الشلال الأول والثاني من جنوب مصر بمنطقة أسيوط إلى غرب السودان بدارفور بطريق طوله 108 أميال، وظل عرب العليقات العين الساهرة لحراسة الإبل التي تحمل البضائع تحت رعاية فرسانها. وللعليقات الفضل في المحافظة على أمن طريق الحرمين الشريفين. من نساء عرب العليقات الحاجة (رومانة عثمان) عليها رحمة الله، قد بلغ أبناؤها وأحفادها أكثر من ثلاثمائة حفيداً منتشرين في مدن كثيرة كحلفا، الخرطوم، مدني، كسلا، البحر الأحمر، دارفور وكردفان وغيرها من ولايات ومدن السودان، ومناطق دراو وكلابشي والوادي الجديد وغيرها من البلدات بجنوب مصر ووسطها. يحكى عن الحاجة (رومانة) في أواخر الستينيات، أنها كانت تستقل التاكسي (الهيلمان) من مقر سكنها بالسجانة وبعد أن تطمئن على أن (بقجتها) التي تحوي أغراضها بجانبها، تعطي أوامرها لسائق التاكسي أن يتجه بها إلى منزل صالح جابر بامتداد الدرجة الثالثة، وليست لديها أي معلومات إضافية عن العنوان ليستفيد منها صاحب التاكسي، ولكن في نهاية رحلتها نسمع طرقاً على باب منزلنا فيخبرنا سائق التاكسي عن الحاجة التي جاء بها من السجانة فنستقبلها بالترحاب.. إنها الحاجة (رومانة) عاشت بيننا تحكي حكاوى كثيرة بالنثر وبالشعر عن البلد وأهل البلد، وعن رماة الحدق ووديان الذهب بوادي العلاقي وطمع الغير في ثروات الأهالي، تاريخ مليء بالمجاهدات لسد الثغرات لحماية البلاد. كانت رحمها الله، كنساء جيلها مكتملة الأسنان، ممشطة الشعر تتدلى على وجنتيها مسيرتان تكتسبان اللون الفضي اللامع الممزوج بالأبيض، لديها حزم مع لين وقوام ممشوق لم يتأثر بالزمن.أنجبت سبعة رجالاً وبنتين (نسومة) و(فهيمة)، الرجال الذين أنجبوا من أبنائها كل واحد منهم كان من عقبه سبعة ذكور وبنتان!!.. منهم من اشتغل بالتجارة، ومنهم من عمل في المجال الصحي، وأشهرهم الذين عملوا في مجال المطابع كهاشم جابر- رحمه الله- بمطبعة التمدن وهارون جابر صاحب مطبعة دارالحق، وقائد ركب المطابع الحاج/ صالح جابر- رحمه الله- مؤسس مطابع دار الوعد ومطبعة الجابر.اشتهر عرب العليقات كشريحة مهمة من المجتمع ساهمت في نهضته، فالدور المهم الذي تؤدية عائلة باشري بولاية القضارف من تنمية القطاع الاقتصادي ومساندة المجتمع في محاربة الفقر، من الأعمال الجليلة التي أرسى قواعدها الحاج عبد الرحمن باشري وجاء من بعده أبناؤه وشيدوا البنيان الواضح للعيان، فكان أبناء القضارف وسكانها كما يعرفون صومعة القضارف، يعرفون الرجل الصومعة (عبد الرحمن باشري) رحمة الله. في أقل من شهرين قدم عضو المجلس الوطني عن دائرة حلفا الدكتور أبوبكر ربيع عبد الله (بكري)، حزمة من الخدمات لمجتمع حلفا جعلهم ولأول مرة تجتمع حلفا على قلب رجل واحد، فصار هو أمل حلفا والحلفاويين وجميع النوبيين لتطبيق النغمة الخالدة (سنعيدها سيرتها الأولى). ساهم أبناء ربيع عبدالله في إثراء المجتمع الصحي، وللدكتور محمد ربيع الكثير من الأصدقاء الذين يبحثون تشخيص حالاتهم عبر صور الأشعة التي تصدر من معمله. والدكتور إبراهيم في مجال العمل البيطري المتميز، ومنهم من أبدع في مجال البترول ونالوا تخصصات نادرة آمل أن تستفيد منها الدولة في شخص المهندس أحمد ربيع أمير المطابع، وشيخها الحاج صالح جابر ابن رومانة إذا قدر وعاش في زمن الجاهلية لكان من تجار السلاح لحذاقته ومعرفة تعامله مع الحديد، ولأنه من حفدة رماة الحدق الذين وقفوا في مواجهة عمرو بن العاص حينما أراد دخول بلاد النوبة السفليى بالقوة. ولو قدر أيضاً لابن رومانة أن عاش في زمن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، لكان من أشهر رواة الحديث، لأنه يحسن ويصدق القول والعمل في نطاق الصراحة والدقة في النقل، ويكن الكثير من المحبة والإدمان لمحمد رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، وحبه ومجالسته بالفطرة لعلماء الدين جعلته من المتفقهين فيه. كثيراً ما أصلح بين المتخاصمين وأزال الضغائن عن المتنافسين، ولو شاءت الأقدار وعاش ابن رومانة في عهد الخلفاء الراشدين لزاد عددهم لقوته في قول الحق وعدله ونزاهته وترفعه عن ما في يد الغير، وتفقده لرعيته والاطمئنان عليهم. هناك عظماء كثيرون نقرأ سيرتهم ونستمع لقصصهم لنتعرف على مواقف النبوغ فيهم، ونهتدي بهديهم ونتابع بإعجاب مسلكهم في الحياة الدنيا وكيف يصنعون التاريخ بمواقفهم وحسن تصرفهم في المشكلات والصعاب التي تواجههم في زمنٍ قلت فيه البدائل المطروحة، وتسارعت فيه الأحداث بدون توقف. امتهن ابن رومانة الجزارة مع والده، فكان البروتين الحيواني مصدر الغذاء للبدن من أفضل المواد الغذائية لتغذية الجسم لبناء الأجسام المناعية ضد الأمراض، امتهن مهنة الطباعة، فكان مصدر الغذاء للعقل والروح، تحت نظره خرجت آلاف المطبوعات لتنير الطريق وتهزم ظلام الجهل، كان منتجاً لكراس الجابر، حيث كتب على صفحاتها الملايين من الكبار لمحو الأمية وصغار بلادي في المدارس والجامعات. تخرج من تحت مظلة علمه في مجال الطباعة آلاف الفنيين والمهندسين الذين صاروا مبدعين في مواقعهم لتحديث الطباعة في السودان. تدافع تلاميذه لوداعه وتعاهدوا أن تظل سيرته العطرة هي الدافع لتطوير العمل والمحافظة على ما تعلموه، وسيظل هذا العمل الصالح ينتفع به الكثيرون من أبناء بلادي، فتوسد قرير العين، فقد قدمت لنا الكثير، يا من خلفت وأدبت وعلمت وأخلصت ورحمت وأفرحت وأبكيت. فليرحمك الله يا أعز الناس.