خصّ الشاعر الكبير نزار قباني الأندلس بفيض دافق من أشعاره وفيها يتحسّر على إندثار الحضارة العربية التي سادت فيها ثم توارت وتلاشت: (لم يبق من قرطبة سوى دموع المئذنات الباكية سوى عبير الورد والتاريخ والاضالية لم يبق من ولادة ومن حكايا حبها قافية ولا بقايا قافية) ولم يكن نزار قباني هو الشاعر الوحيد الذي تحسّر على أمجاد العروبة التي اندثرت في الأندلس فقد كتب شاعرنا الكبير محمد أحمد محجوب قصيدته الباهرة (الفردوس المفقود) وغيره تبارى كثيرون في الحزن على ضياع الأندلس وشعر نزار قباني سارت به الركبان وحظي بذيوع لا مثيل له بفضل الإعلام ومؤسسات النشر الراقية النابهة التي كانت ولا تزال ظلالها تترامى من الشرق الأوسط الشمالي وتصل الآفاق البعيدة: (ومشيت مثل الطفل خلفي دليلتي وورائي التاريخ كوم رماد الزخرفات أكاد أسمع نبضها والزركشات على السقوف تنادي قالت: هنا الحمراء زهو جدودنا فاقرأ على جدرانها أمجادي أمجادها ومسحت جرحاً نازفاً ومسحت جرحاً ثانياً بفؤادي ياليت وارثتي الجميلة أدركت أن الذين عنتهم أجدادي عانقت فيها عندما ودعتها رجلاً يسمى طارق بن زياد) والذي حدا بي اليوم للكتابة عن فردوس العرب المفقود خطاب مدهش أورده المؤلف البريطاني (دا وين بورت) في مؤلفة (العرب عنصر السيادة في القرون الوسطى) وهو خطاب يعكس ما كان للعرب من نهضة راقية وحضارة سامية في ذاك الزمان وأعجب بل اتتساءل ويفعل غيري: كيف بالله ضاع ذاك التراث وأندثر؟ ما الذي أفقد العروبة ذاك المجد ونكس راياتها في أوروبا؟. (من الملك جورج الثاني ملك انجلترا والسويد والنرويج إلى عظمة الخليفة هشام الثالث ملك أسبانيا... علمت بسرور بالغ الدرجة الرفيعة السامية التي وصلت إليها معاهد التعليم ببلادكم ورأيت أن تستفيد منها مملكتنا التي يضرب الجهل على أرجائها.. أبعث إلى عظمتكم بدفعة من فتياتنا لتلقي العلم عندكم بقيادة الأميرة دوبان ابنة شقيقتي وسنوالي ابتعاث أولادنا وبناتنا للانخراط في معاهدكم.. وتحمل مني لعظمتكم الأميرة دوبان هدية متواضعة وتقبلوا مني الإعزاز والاحترام).. ولك عزيزي القارئ أن تقارن اليوم بين معاهدهم ومعاهدنا.. إن في هذا الخطاب عظة للأمم التي يفتك بها الاصطراع والتشرذم والخلاف وقد لا يصدق الكثيرون أن الانجليز كانوا ينشدون المعرفة عند العرب. إن الحروب وخاصة الحروب الأهلية هي الآفة الكبرى التي تفتك بالحضارات وتعيق تقدم الأمم ولم تبح عبر التاريخ أمة من الاحتراب وقد شهدت على سبيل المثال انجلترا حروباً ضاربة في تاريخها كحروب اسكتلندا وايرلندا والأخيرة لايزال جمرها يتقد من حين لحين غير أن هذه الحروب لم تقعد بأهل انجلترا من التطور والتقدم والرخاء وماذاك إلا بصلابة العزائم والإصرار على البناء وكذا كان أهل الشرق الأقصى كالصين والهند واليابان برغم حروبهم عبر التاريخ غير أن الاصطراع ببلاد العرب أخرجهم من بلاد كثيرة رفعوا راياتهم فيها. (مضت قرون خمسة قد رحل الخليفة الصغير عن أسبانيا ولم تزل أحقادنا الصغيرة كما هية ولم تزل عقلية العشيرة في دمنا كما هية حوارنا اليومي بالخناجر أفكارنا أشبه بالأظافر مضت قرون خمسة ولاتزال لفظة العروبة كزهرة حزينة في آنية كطفلة جائعة وعارية نصلبها على جدار الحق والكراهية مضت قرون خمسة باغالية كأننا نجرح هذا اليوم من أسبانيا) مع تحياتي