تعود بي الذاكرة للعام 1988م- وتحديداً أكتوبر عام 1988م- وكنت آنذاك أشرف على برنامج الشرطة في الإذاعة الذي كنت من أوائل الذين قاموا بتقديمه في الإذاعة على مدى سنوات، بل كنت الأول على الإطلاق في جعل هذا البرنامج منتظماً على خارطة البرامج في الإذاعة وفي وقت مثالي يسبق نشرة السابعة التي كانت أهم نشرة أو حدث إخباري في ذلك الزمان، وأذكر أنني قمت بتسجيل أول حلقة في الدورة في ذلك بإشراف أخي الأكبر وزميلي الأديب والرياضي المطبوع العميد عمر علي حسن، الذي أصر أن يفاجأني ويقدم الحلقة داخل الاستديو، وقد كانت لفتة كريمة من رجل فنان وقائد مثقف أديب تشبه عمر علي حسن ، متعه الله بالصحة والعافية، ورد غربته ليخدم وطنه في أكثر من مجال رياضياً وأمنياً واجتماعياً، وأن يكرم من أقطاب الهلال وقد كان أحد رموزهم الكبيرة ولا يماثله في الزعامة إلا زعيم أسرة الهلال المفرد الراحل الطيب عبد الله، وقد كان كلا الرجلين في ذلك الوقت ينتميان إلى وزارة الداخلية- وكان في الجانب الآخر أقطاب المريخ الشرطيون وعلى رأسهم أبو فارس إلى أن تصل الراية إلى جيلي وأبناء جيلي شخصي والزميل مأمون مبارك أمان والطيب عبد الرحمن ويوسف نصرون الذين تزدان بهم سماوات نجوم المريخ. لقد شهد ذلك البرنامج- قبل أن يتسلم رايته مني الزميل العزيز المذيع المقتدر والإذاعي المتمرس النقيب شرطة عمر النصري الذي وضع البرنامج في قالب إذاعي شيق، أضاف إليه الحوار المفتوح والتمثيلية الإذاعية، إلى أن آلت الراية إلى الزميل العزيز النقيب آنذاك العميد فيما بعد، نبيل أحمد عثمان وهو زميل دراسة في الكلية- دفعة- وفي الصبا والشباب، فسار به وبأمانة القوات النظامية خطوات حتى توج كل ذلك ببرنامجه التلفزيوني المرموق (معك). هذه ذكريات عزيزة عن العمل الإعلامي في الشرطة الذي تشرفت بقيادته سنوات بعد سنوات عطاء خصبة في الإدارة الأم الجوازات والهجرة والجنسية التي بذلت فيها أسعد أيام حياتي ثلاثة عشر عاماً ونحن نؤسس هذه الإدارة الضخمة والتاريخية بقيادة آبائها التاريخيين طاهر فريد وحسن عبد الغني ومحمد فايد ومحمود فايد وشاكر النحاس وحسن محمد زكي وعبد الله جنيدابي وزكي حسين بشير وعبد الرحمن بابكر، يقود هذه المجموعة آباء كبار على رأسهم والدنا الراحل الحبيب اللواء إبراهيم حسن خليل، والأب والمجدد الفعلي للإدارة في شكلها الحالي وهيكلتها المتطورة المرحوم النور حامد الذي أشك أن أياً من العاملين في هذا المرفق الآن يعرف الدور التاريخي لهذا الرجل المفكر العملاق.. ولو سألت أياً منهم ماذا تعرف عن النور حامد لسكت، بل لصمت إلى الأبد. قادني إلى هذا الحديث وهذا الاستطراد التاريخي قصيدة قديمة بخط يدي وجدت في الأضابير القديمة، من كلمات عمي الشاعر الأثير عمر البنا نجم وقطب الحقيبة المعروف وهو يتغنى للشرطة السودانية، أملاها عليّ- رحمه الله- وأسميتها قصيدة الشرطة السودانية.. تماماً كتلك القصيدة التي سجلتها مع ميرغني المأمون وأحمد حسن جمعة باسم تحية الشرطة من كلمات الصديق الشاعر موسى حسن.. والتي نستمع إليها الآن ويقول مطلعها: (من القلب ألف تحية) (لرجال الشرطة السودانية) حيا الله رجال الشرطة قادة وقاعدة، ووفقهم لأداء أنبل رسالة وأقدس واجب.. وأن يكونوا على خطى جيلنا القديم الذي غرس فيهم أنبل القيم.