دروس كثيرة غابت عن المسرح السياسي السوداني ومنذ انطلاقة مؤتمر الخريجين العام الذي خرجت من رحمه أحزابنا السياسية الكبرى والعقائدية وغيرها فيما بعد.. فالأحزاب الكبرى «الاتحادي والأمة» سار كل منها بادي الأمر على طريق.. إذ كان الحزب الاتحادي «حزب الأشقاء» يدعو الى الاتحاد مع مصر وحزب الأمة يدعو الى الاستقلال التام عن دولتي الحكم الثنائي.. ولكن الحال تبدل في جلسة البرلمان بتاريخ 19 ديمسبر 1955م عندما توحد كل الأعضاء ومن بينهم الأخوة الجنوبيون على قرار الاستقلال الذي تم في الأول من يناير 1956م حيث رفع العلم في حضور السيدين الكبيرين «المهدي والميرغني» وانزل علم الاستعمار بواسطة السيدين اسماعيل الأزهري «اتحادي» ومحمد أحمد محجوب «أمة». لقد كان ذلك الدرس من دروس التوافق والاجماع التي تذكز على الدوام إلا أنه لم يتكرر بعد ذلك. إذ ظل الخلاف والاختلاف في الساحة السياسية هو الغالب وفي كثير من الفجور والخصومة.. وما يشار اليه هنا أنه بعد الاستقلال بثلاث سنوات تقريباً تعاقب فيها الحزبان الكبيران على الحكم لم يكن من حزب الأمة «الحزب الحاكم» يومها إلا أن سلم السلطة للفريق عبود في 17 نوفمبر 1958م.. وبعد الاطاحة بذلك النظام العسكري الشمولي في 21 اكتوبر 1964م.. لم يمض على الحكم الديمقراطي الانتخابي الجديد سوى أقل من خمس سنوات حتى اطاحت به الخصومات والنزاعات والصراعات السياسية ليقفز على السلطة نظام يساري في 25 مايو 1969م لتطيح به بعد ستة عشر عاماً تقريباِ انتفاضة شعبية في 6 رجب - ابريل 1985م ولم تعمر هي الأخرى سوى اربعة اعوام ليحل محلها النظام الحالي ولذات الأسباب المذكورة اعلاه فضلاً عن عدن الاستقرار والانجاز. وهذا كله يقول ويذكرنا بأن درس الاجماع الوطني الذي حدث في البرلمان في 19 ديمسبر 1955م وغاب لست وخمسين عاماً لا بد أن يعود ولو ركبت زعاماتنا الحزبية والسياسية اليوم «رأسها» كما نرى ونسمع!! فالمواطن السوداني اليوم غيره بالأمس ذلك أنه يملك ادوات الجمع والطرح والتقويم لمسيرة أكثر من عشرين عاماً.. ويستطيع المواطن أن يتخذ قراره بنفسه بالنظر الى التجارب الماضية والمعاصرة.. فالعصر عصر عقل وحسابات دقيقة ومصالح والله المستعان.