للمرة الثانية، يعود الوجود الأجنبي بخطورته كموضوع يمس العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فى البلاد وكظاهرة استفحلت وأصبحت هاجساً لدى السلطات والمجتمع من حيث التأثير والتأثر ..إذاً فلابد من دق نواقيس الخطر من جديد، بالتأكيد على مخاوف مشروعة من تغييرات كبيرة طرأت وأخرى متوقعة على الخارطة المجتمعية في البلاد «آخر لحظة» تبدي مخافة ولادة جيل سوداني معلول وعاطل حال استمر دفق الأجانب دون أن تصاحبه عمليات تقنين وتدقيق شديدة. رصدنا في منتدى التنوير المعرفي ندوة تحت لافتة (الآثار الاجتماعية والثقافية للوجود الأجنبي)، وأمّ المنتدى حضور حشد كبير ضم عسكريين وأكاديميين وإعلاميين ومعنيين بهذا الملف عالي الحساسية. المنتدى بدأ بتأكيدات قاطعة من شرطة أمن المجتمع على لسان العقيد فتح الرحمن مصطفى المهدي، بإحكامها قبضتها على الوجود الأجنبي و أشار إلى أن مجهوداتهم أسهمت في خفض نسبة مخالفاته بدرجة كبيرة حد وصفها ب (الضعف). وقبل أن يدلف جهة أشكال جرائم وممارسات الأجانب ذّكر العقيد بحقيقة أن الوجود الأجنبي ليس كله ضار. بعدها تلا عدداً من ممارسات الأجانب المضرة وأبرزها: أولاً: بيع وترويج وحيازة الخمور المستوردة، وحذر في السياق من تعاطي الخمور المقلدة في المصانع المحلية بحسبانها عالية السمّية وتصنع في ظروف مميتة، ثانياً: ممارسة الدعارة والأعمال الفاضحة وأعرب عن قلقه من تنامي ظاهرة تصوير الضحايا في أوضاع مخلة بغرض ابتزازهم وقال إن ثالثة الأثافي في أن تلك الظاهرة من شأنها هد عروش المنازل وإنسرابها لعدد من السودانيين. ثالثاً: ممارسات الدجل والشعوذة وتنزيل الأموال. رابعاً: التسلل والدخول غير الشرعي من دول الجوار سواء بصورة فردية أو عن طريق جماعات الإتجار بالبشر. ولم يخف العقيد فتح الرحمن امتعاضه من انتشار ثقافات جديدة وافدة نحو (الساونا والجاكوزي)، وشيوع ثقافة (التقبيل) المنسحبة من مشاهدة الأفلام، وظهور كلمات وعبارات وافدة من الفضائيات والأغاني، وتفشي المربيات الأجنبيات بكل مورثهن الثقافي والديني والسلوكي كنوع من ال (بريستيج)، فضلاً عن ظاهرة مستهجنة وتتعلق بتغيير النوع بالخارج دون حاجة طبية لذلك. ولأجل تبديد المخاوف التي بدت تسري مع هواء القاعة أعلن العقيد امتلاكهم خطة لمجابهة تفلتات الأجانب تشمل في طياتها: إنشاء آلية عليا وأخرى فنية لإدارة ملف الأجانب، وحصر وتسجيل الأجانب بإحصاء دقيق وتصنيفهم وتحديد الحاجة الفعلية لهم، وتنسيق وتكامل الجهات بين الجهات المعنية، ووضع رؤية موحدة في التعامل مع الأجانب خاصة في إجراءات الأبعاد، ومراجعة القوانين واللوائح المتصلة بالوجود الأجنبي وتنقيحها، واستصدار قانون خاص للتعامل مع الأجانب أسوة بالقانون الإماراتي، وتفعيل اتفاقات تبادل المجرمين والبروتكولات الأمنية مع دول الجوار، وتحديد جهة معنية بتسجيل مواقع سكن الأجانب وآلية لمراقبتهم ووضع ضوابط لسكناهم، مع تدعيم قدرات الأجهزة الأمنية والشرطية التي يقع على عاتقها تقنين أوضاع الأجانب. من جهته قدّر بروفيسور خليل عبد الله المدني أستاذ علم الاجتماع ومدير البحوث والنشر بالمركز عدد الأجانب بالسودان بأكثر من (600) ألف أجنبي، وفد بعضهم منذ آماد بعيدة نتيجة عوامل الجذب العديدة التي تذخر بها البلاد، بجانب استجلاب الاستعمار الإنجليزي لقبائل أفريقية بحالها للعمل في المشاريع الزراعية وتوقع المدني زيادة في أعداد الوافدين جراء التغييرات المناخية في مقابل توافر المياه وخصوبة أراضي البلاد بجانب الكرم والسماحة الكبيرة التي يتمتع بها السوداني وحالت دون نجاح أي مشروعات سياحية. ودعا المدني لإعادة النظر في القوانين المنظمة للاستثمار والكف عن صياغتها بغية جذب رأس المال الأجنبي فقط ومراعاة إلزام المستثمرين بإقامة مشاريع اجتماعية وتعيين نسبة محددة من الكادر الوطني للالتحاق بمؤسساتهم. بدوره، قطع د. فائز عمر جامع، مدير الدائرة السياسية بالمركز بقوة ومتانة الثقافة السودانية وأشار في الصدد لانتقال اللغة العربية والدين الإسلامي من مواطني الدولة صوب الوافدين وقال بإمكانية التأثير في الأجانب والإفادة منهم وصولاً للوطن الذي يحلم به الجميع بيد أنه عاد واستهجن هجرة الكادر السوداني المؤهل في مقابل وفادة عمالة ثانوية استهلاكية لا تضيف للبلاد وإنسانها شيئاً. وتظل قضية الأجانب محل بحث وتقييم نسبة لعدة عوامل وجوانب مرتبطة أحياناً بسياسات الدولة وعلاقاتها بدول الجوار وكذلك جغرافية السودان من حيث اتّساع الحدود وعدم إمكانية السيطرة عليها ومراقبتها على امتداداتها السبعة.. على كلٍ، يتطلب ملف الأجانب في البلاد مسارعة كبيرة في التقنين والتنظيم بصورة تدرأ المخاوف وتعلي من المكاسب، وتظهر هنا الحاجة الملحة لتضافر كل الجهود بما فيها الجهد الشعبي .. وأما هذا أو الطوفان.