أن تصل العمالة الوافدة إلى صحن البرلمان، بعد صيرورة الوجود الأجنبي أحد أكثر المواضيع تناولاً في وسائل الإعلام، فمعناه تزايد الإحساس لدى أجهزة الدولة بالخطر القادم من الخارج، والحاجة الملحة لصياغة تشريعات وتكييفات قانونية تحد من مسالبه وتعلي من موجباته خاصة والبلاد تنفتح على عدد من دول الجوار الافريقي دون حواجز طبيعية، دون نسيان تحول جزء لا يستهان من مكوناتها السكانية إلى أجانب بفعل الانفصال. إذاً ولأجل وضع خارطة طريق توصل في نهاياتها للوطن المبتغى، نظمت لجنة العمل والإدارة والمظالم العامة بالمجلس الوطني ووزارة العمل ومركز السودان لدراسات الهجرة والتنمية والسكان ورشة عمل عن (العمالة الوافدة الفرص والتحديات) بأروقة المجلس الوطني وأمها لفيف من المسؤولين والمهتمين. وأبتدرت الورشة بنفى صادر عن د. فرح مصطفى وزير العمل، في أن تكون الدولة معادية للعمالة الوافدة، لكنه قال بشروع أجهزتها في وضع استراتيجية واضحة للتعاطي مع الوجود الأجنبي، تشمل الزامية الحفاظ على نسبة (20%) للعمالة الوافدة مقارنة ب (80%) للوطنية في مختلف المشروعات، بجانب الإضطلاع بعمليات ضبط وتقنين محكمين، حفاظاً على مكتسبات البلاد ودفعاً لقطار تنميتها تجاه الأمام، دون إغفال للطرائق المثلى لمعالجة مختلف المثالب، ومكافحة التغلغل الناعم لعادات سلوكية وقيمية وافدة لا تمت للموروث السوداني بصلة، ونادى الوزير بأهمية تضافر أدوار الجهات ذات الصلة وتمسك بالملف، وإعلاء ثقافة العمل الحر، وإجراء مسح شامل لسوق العمل لتلبية احتياجاته، بجانب مضاعفة الإهتمام بالتعليم التقني والتقاني. وفي السياق، كشف د. فرح عن استجلاب قرابة ال (4) آلاف عامل أجنبي في أعقاب التوقيع على اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا)، نتيجة الشح والندرة في الكادر الوطني وقتها، لجهة مقابلة احتياجات قطاعات النفط والسدود والكهرباء والزراعة والبناء والانشاءات، لكنه نبه إلى ضعف العدد المذكور، إذا ما قورن بالأدوار التي لعبها في التنمية، أو بمدى الخبرات التي أتيحت بفضله للكادر الوطني. من جانبه، قال مولانا أحمد إبراهيم الطاهر رئيس المجلس الوطني، إن قضية العمالة الوافدة تجد إهتماماً متعاظماً من قبل الدولة، وأبان انفتاحهم على العالم وترحيبهم بالوافدين ولكن وفقاً لعمليات تنظيم دقيقة تفيد في محصلتها النهائية الدولة ومجتمعها، ليطالب بعدها برفع القدرات الداخلية بالتركيز على العلم والتعلم واعداً بأن يكون البرلمان عضداً لكل جهود تنظيم أوجه الحياة بالبلاد. بدوره، حذّر د. الفاتح عز الدين رئيس لجنة العمل والحسبة والادارة بالبرلمان، من انفجار سكاني نتيجة الهجرات الواسعة صوب السودان من جواره الإفريقي، الأمر الذي قال إنه يقتضي سياسات واستراتيجيات موحدة وفقاً لحاجيات البلاد، وبما يقود لنموها أسوة بدول وظفت الأجانب في إحداث طفرات تنموية كبرى كالولايات المتحدةالامريكية .ودعا لقيام مؤتمر جامع لتناول القضية من أوجهها كافة. وعندما حان الدور على بروفيسور الهادي عبد الصمد ممثل الأمين العام لجهاز شؤون السودانيين العاملين بالخارج، أختار أن يلفت الأنظار لإنشائهم مركزا متخصصا (مركز السودان لدراسات الهجرة والسكان) ليكون الذراع الاستشاري للدولة ونبراسها الهادي في لجة العالم، فيما يختص بقضايا الهجرة كالإتجار بالبشر والعمالة الوافدة وغيرها. وفي ورقته المعنونة ب (الآثار الإيجابية والسلبية للعمالة الوافدة) حصر د. خالد علي لورد من مركز السودان لدراسات الهجرة والتنمية والسكان بعضاً من أيجابيات العمالة الوافدة ومتمثلة في: الإسراع بعملية التنمية والمساعدة في تحقيق أهدافها، الإسهام في جلب الاستثمارات الاجنبية بصورة تسهم في خلق فرص عمل للكادر الوطني ورفده بما يلزم من الخبرات، مع أمكانية تشرب الوافدين بالعادات الاسلامية والمجتمعية السمحة. أما السلبيات فحدث ولا حرج، فهناك ظاهرة استيراد البطالة، والتضييق على الكادر الوطني، والوجود غير الشرعي، والضغط على الخدمات، وظاهرة المتاجرة عن طريق الوكلاء والوسطاء، وظهور الجريمة المنظمة، وأنماط جديدة من الأمراض والجريمة اللا أخلاقية، ومخاوف مشروعة من إندثار الثقافة المحلية. كتاب مساوئ العمالة الوافدة لا ينتهى هنا، فعلى صفحاته طبقاً للورد أيضاً: الإضرار بالاقتصاد الوطني عبر عدة قنوات أبرزها التحويلات المالية، وبالأمن من خلال آليات الجاسوسية والتخريب، وبالأسرة عن طريق بث ثقافات الخدم بين الأبناء، فضلاً عن صناعة مدن موازية أي مناطق يغلب على ساكنيها أبناء جنسية محددة وذلك بداخل أو على أطراف المدن. وفي احصائيات للعمالة الأجنبية الوافدة داخل أضابير وزارة العمل، حدّدت ورقة أ. الشام محمد حامد المعنونة ب (العمالة الأجنبية الواقع والرؤى المستقبلية)، إجمالي العمالة القادمة من خارج الحدود ب (5240) فرداً، وأنتقدت عدم وجود إحصائيات دقيقة للأيادي الأجنبية العاملة بالبلاد، وغياب التنسيق بين وزارات (العمل ? الداخلية ? الخارجية) فيما يختص بالتعاطي مع الوافدين، وغياب حملات تفتيش وضبط الوجود الأجنبي. وأخيراً، لنذكر أهم المعالجات المقترحة لجهة تقنين العمالة الوافدة ووردت ضمن الورقتين على حدٍ سواء وأبرزها: وضع استراتيجية واضحة تحتوي على تنسيق تام بين الجهات المعنية، وتفعيل القوانين الخاصة بالوجود الأجنبي سيما الصحية ، وتوطين العمالة، والتوسع في التعليم التقني والتقاني، وتشكيل لجنة مشتركة بين مؤسسات المجتمع المدني لتأمين شروط السلامة والصحة، وتبيان المسؤولية القانونية المترتبة على إستخدام الأجانب دون إذن، علاوة على وضع خطة لسودنة الوظائف.