السياسة هل يمكن أن تمارس بطريقة صحيحة بعيداً عن فلسفة فن الممكن والغاية تبرر الوسيلة.. وتمارس لجعل كل التدابير الحياتية للناس أقرب للإصلاح وأبعد من الفساد ومدبجة بضوابط أخلاقية تعمل لحماية المجتمعات.. أم أن واقع السياسة متغير حسب المعطيات والأهداف والمصالح كمعادلة لا يمكن تغيرها.. هي أسئلة مشروعة في ظل الوضع الراهن في السودان وانعكاس المشهد العربي عليه..! والمتابع للعملية السياسية في السودان يدرك عمق تجربتها منذ نيل الاستقلال ومحاولتها خلق نظام سياسي يؤسس على مفاهيم واضحة عبر أحزاب تمارس مصالح الناس وأن التجربة السودانية مرت بمراحل متقلبة ما بين حكومة منتخبة وأخرى عسكرية جاءت عبر طريق الانقلاب وهي من حينها تعاني من الاحتكام للمفاهيم السياسية المكيافيلية التي طغت على العالم وباتت هي السائدة. وأصبحت فلسفة القوة هي المطبقة لتحقيق المصالح المادية وليست كما تدعي دائماً بعض الأحزاب ذات الشعارات القومية والدينية بالمعنى الإسلامي والمفهوم الإسلامي للحكم كنظام يؤسس للعدالة والمساواة..!! وهي أن يقوم الحاكم والمسؤول برعاية الناس وإعطائهم حقوقهم وليس تلك المصلحة الضيقة وتلك الوسيلة التي يعمل بها الحاكم للوصول للحكم!! والآن بعد أن هبت رياح التغيير أو ما يسمى بالربيع العربي في البلاد العربية بدأ المشهد السياسي العربي يتخذ شكلاً آخر غير المتعارف عليه والمتوارث، وإن كان في بعض الدول ذات الطابع والنظام الشمولي مثلاً تونس ومصر وسوريا وليبيا.. فالشعب انتفض وفرض سياسة التظاهر والاحتجاج لوضع حد للحالة السياسية المتجمدة في إطار الشخص والحزب الواحد، والملاحظ أنها تجاوزت الأحزاب المعارضة التي تعمل بذات السياسة الميكافيلية البرغماتية ذات النظرة الذاتية والطائفية!! الأستاذ عثمان الأمين المحاضر بجامعة النيلين علوم السياسة يقول في ما يحدث في الوطن العربي من تغيرات سياسية إنها حركة التاريخ الضيقة وتفاعلات الشعوب بعد أن كثر رزحها تحت وطأة الاستبداد لفترة وأن حاجتها للحرية دفعت بها للثورة للتغيير. والتغيير هنا من نظم الجور والاستبداد إلى الإصلاح والإحلال والإبدال بنظم العدل والمساواة وحقوق الإنسان وترسيخ أنظمة سياسية ثابتة ذات قواعد متفق عليها، ولا تكن محل خلاف لفترة سياسية قادمة.. و ما نحتاجه في السودان أن يترسخ مفهوم نظام سياسي متفق عليه من الجميع لا يختلف فيه أحد والوصول إلى السلطة فيه يكون بواسطة العملية الديمقراطية عبر صناديق الانتخاب!! وأشار إلى أن وضوح البرامج والتنفيذ لها يحقق التوازن الاقتصادي والاستقرار بوجود نظام سياسي متوافق عليه، وبغير ذلك تظل الحالة السياسية في حالة ممانعة ومصادمة وحروبات تنشأ هنا وهنالك مثل ما يحدث الآن في المشهد السياسي السوداني ما بين حكومةٍ لحزب نافذ يختار حكومته ومعارضة رافضة وباحثة عن إسقاط مرتقب!! فهل يبقى المشهد على حاله وتستمر سياسة الحزب الواحد، أم أن الإصلاح الذي تحدث عنه في أروقته سيأتي أكله ويتم التغيير من الداخل لينداح على الخارج ويقبل بقواعد اللعبة السياسية التي تستوعب الجميع في إطار جامع ضمن منظومة سياسية ديمقراطية متفق عليها.. نترقب..!!