يحتفل الأشقاء في مصر يوم غدٍ الجمعة الثالث والعشرين من يوليو بالذكرى الثامنة والخمسين لثورة 23 يوليو 1952م التي أطاحت بالملكية، وأقصت الملك فاروق (الأول والأخير) عن سدة الحكم في مصر، وقد كان لقبه الرسمي وقت الإطاحة به هو (الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان).. وقد جاءت الثورة المصرية التي أعلنت اللواء محمد نجيب رئيساً لمجلسها ثم رئيساً للجمهورية لاحقاً ..جاءت لدوافع وأسباب موضوعية، داخلية وإقليمية وخارجية وواجهت مصاعب كثيرة من أجل أن تستمر، أولها الصراع على السلطة بين قيادتها الرسمية المعلنة وبين رجل الثورة القوي والمخطط الرئيسي لها البكباشي جمال عبد الناصر حسين، ثم مقاومة رجال العهد الملكي للثورة، فمهادنتها لجماعة الأخوان المسلمين ثم محاربتها لهم عندما آل الأمر تماماً للقوى الثورية الجديدة، ولم يكن السودان غائباً عن موائد النقاش ومناضد الحوار، لوعي قيادات الثورة بأهمية السودان لمصر ليس لضمان مياه النيل وحدها بل لما يمثله من عمق استراتيجي وأمني بالنسبة لمصر التي أخذت تناوشها سهام الصهيونية العالمية وتستهدف السيطرة على مراكز القرار فيها وإحكام القبضة على مصادر القرار العسكري في جيشها، خاصة بعد الحرب العربية الإسرائيلية الأولى التي انتهت بإعلان دولة اسرائيل بعد قضية الأسلحة الفاسدة التي دفعت بها القيادة السياسية إلى أيدي الجيش المصري ومقاتليه. كانت الثورة المصرية وليداً شرعياً لموقف الطبقة الوسطى والنخب وطلائع المثقفين من الفساد كما جاءت رد فعل إيجابي للفساد السياسي الذي أخذ يضرب في هياكل ومؤسسات الأحزاب والتنظيمات السياسية التي أتجه بعضها علناً للإرتماء في أحضان المستعمر البريطاني. إهتمت الثورة المصرية بالسودان منذ بدايتها، بل دفعت بمن هو أقرب للسودان ليكون رئيساً رسمياً لها وهو اللواء محمد نجيب المولود في السودان، وجاءت بأحد أعضاء مجلس قيادة الثورة الذي تردد أن أمه سودانية وهو الرئيس المصري الراحل أنور السادات.. وقد انعكس هذا الإهتمام في منح السودان حق تقرير المصير بعد إتفاقية 1953م، وعندما أخذ السودان حقه في الاختيار ما بين الاتحاد مع مصر أو الاستقلال، دفعت القيادة المصرية بالصاغ صلاح سالم ليقود مع دعاة الاتحاد خطاً سياسياً يسعى لأن يكون السودان ومصر قطراً واحداً متحداً، ولم يكن إختيار الصاغ صلاح سالم إعتباطياً إذ أنه له علاقة قوية بالسودان حيث ولد في العام 1920م بمدينة سنكات وكان والده مصطفى سالم موظفاً في حكومة السودان وقد بدأ ابنه صلاح تعليمه بالسودان قبل أن ينتقل مع والده إلى مصر.. وكان الصاغ صلاح سالم صاحب نظرة متفائلة للوحدة رغم النظارات السوداء التي لم تكن تفارق عينيه وجاء إلى السوادن والتقى الزعامات والقيادات وزار جنوب السودان وطاف بأرجائه المختلفة رغم امتعاض السلطات البريطانية.. لكن حليف مصر القوي بالسودان وهو الزعيم إسماعيل الأزهري ومن خلفه الحزب الوطني الاتحادي، فأجا القاهرة بإعلان الاستقلال لتأخذ القيادة المصرية موقفاً جديداً تجاه الخرطوم. يقول لي الدكتور مصطفى الفقي رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصري في واحدة من الزيارات التي قمت بها إلى مصر، إن إتجاه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى إعلان الوحدة مع سوريا عام 1958م وإعلان الجمهورية العربية المتحدة لم يكن إلا ردة فعل للإحباط الذي أصابه من موقف القيادات السياسية السودانية في شأن الوحدة. والدكتور الفقي من أميز الدبلوماسيين المصريين وكان سفيراً لمصر في عدة أقطار كان آخرها الهند وعمل سكرتيراً خاصاً للرئيس حسني مبارك لعدة سنوات.. وقد ذكر في هذا الشأن إن الرئيس مبارك عندما تم تقديم إسم مرشح من إدارة المخابرات العامة المصرية ليكون سفيراً لمصر بالسودان.. أبعد الملف وقال لماذا لا يكون سفير مصر من الدبلوماسيين، ومنذ أن تولى الرئيس مبارك مقاليد السلطة زال التقليد القديم بأن يكون سفير مصر بالخرطوم من المخابرات وأصبح جزءاً من المنظومة الدبلوماسية الرسمية. التحية لمصر قيادة وحكومة وشعباً بمناسبة أعياد ثور 23 يوليو 1952م وكل عام ومصر بخير.