الأطماع الاستعمارية الخبيثة للسيطرة على مقدرات السودان السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية تتقاطع تماما مع مايسمى (مهزلة المحكمة الجنائية الدولية)، حيث تسلطت الاضواء على السودان مجددا، الذي كان خلال الايام الفائتة محور أنشطة سياسية وعسكرية ذات صلة اجمالا بالوضع في اقليم دارفور غربي البلاد، وبعد قرار (المهزلة الجنائية الدولية) توجيه تهمة جديدة للرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير بارتكاب جرائم إبادة جماعية في الاقليم ، شهدت الخرطوم لقاء تشاوريا تناول مجمل قضايا السودان، ولاسيما السلام في دارفور والاستفتاء المرتقب على مصير الجنوب ، انعقاد هذا الملتقى، الذي شارك فيه مندوبون عن دول الجوار، إلى جانب دول قطر والنرويج والولايات المتحدة الأميركية والمنظمات الإقليمية والدولية، وممثلي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن والمبعوثين الدوليين للسودان، تزامن مع تصعيد عسكري في دارفور، حيث أعلن الجيش السوداني مقتل أكثر من 300 متمرد في معارك وقعت مؤخرا في الإقليم وقتل فيها أيضا 75 من جنوده، وأكد المشاركون في الملتقى ضرورة الشمولية في عملية السلام في اقليم دارفور من أجل تحقيق الأمن والعدالة والسلام فيه،كما طالبوا الحكومة السودانية بأن تتخذ ما تراه مناسبا من إجراءات بالتنسيق مع بعثة حفظ السلام لاستتباب الأمن في الإقليم. مصادر دبلوماسية سودانية كشفت عن سباق أميركي فرنسي للتعامل مع قضية اقليم دارفور، ويتمثل في محاولات فرنسية للضغط على ما يسمى(رئيس حركة تحرير السودان) عبد الواحد نور، المقيم في فرنسا منذ سنوات للانضمام إلى المفاوضات الجارية في الدوحة بين الحكومة السودانية وعدد من(الحركات الدارفورية المتمردة)، إضافة إلى محاولات المبعوث الأميركي إلى السودان سكوت غرايشن إقناع ما يسمى(رئيس حركة العدل والمساواة) خليل إبراهيم الموجود حالياً في العاصمة الليبية طرابلس للعودة إلى منبر الدوحة من جديد بعد إعلانه تجميد مشاركته في ايار الماضي. مصادر مقربة من الوسيط الأممي المشترك جبريل باسولي أشارت الى أن هناك اتجاهاً لإشراك مصر وليبيا وإثيوبيا وإريتريا في مفاوضات الدوحة، مشيرة الى أن (المجتمع المدني الدارفوري) الذي وصل إلى الدوحة عكف في اجتماعات مطولة لتكوين لجان لإقناع نور وإبراهيم للانضمام إلى المفاوضات،وكان بعض المبعوثين الدوليين طالبوا في لقاء تم مؤخراً في عاصمة ولاية شمال دارفور بضرورة إشراك الحركتين الدارفوريتين باعتبار حركة عبد الواحد نور الأنشط سياسياً، وحركة خليل إبراهيم الأقوى عسكرياً من أجل التوصل إلى تسوية سياسية لإنهاء الصراع في إقليم دارفور غربي السودان. الدكتورة أماني الطويل الأستاذة الزائرة في جامعة جورج واشنطن ذكرت أن المحكمة ورقة سياسية تستغلها بعض الأطراف المهتمة بالملف السوداني للضغط على الرئيس عمر حسن أحمد البشير لتقديم تنازلات في عدد من القضايا، ليس فيما يتعلق بدارفور والاستفتاء في الجنوب فحسب، بل للحصول على تسهيلات أمريكية في منطقة البحر الأحمر،ورأت الدكتورة أماني الطويل، الباحثة المتخصصة في الشأن السوداني، بأن تهمة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية التي وجهت للرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير يشوبها الكثير من الشكوك، وأن العمل العسكري ضد الأطراف المعارضة في دارفور جاء في إطار صراع سياسي بين المتمردين والحكومة السودانية ،وليس في إطار تتبع عرق معين لإبادته، فالأعراق الموجودة في دارفور موجودة في الخرطوم أيضا، وبالتالي لم يتم تتبعها أو العمل على إبادتها طبقا لانتمائها إلى هذا العرق أو هذه القبيلة. جددت الحكومة السودانية من جديد رفضها دعوة الإدارة الأمريكية للسودان بالتعاون مع ما يسمى (المهزلة الجنائية الدولية)، وطالبتها بعدم استغلال قرارات المحكمة تجاه الرئيس عمر حسن أحمد البشير للضغط على السودان سياسياً، مستشار الرئيس السوداني ومسؤول ملف دارفور غازي صلاح الدين، قال إن التصريحات الأمريكية التي تدعو الحكومة السودانية بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية مرفوضة من جانبنا، مشيرا الى أن الخرطوم اثارت هذه القضية مع المبعوث الأمريكي«سكوت غرايشن»، وطالبته بإبداء رأي واضح حول هذه المسألة خاصة ان اميركا ترفض ميثاق المحكمة، وتريد من السودان التعامل معها وهذا تعتبره استغلالا للمواقف،وكشف المسؤول السوداني عن تبني حكومة بلاده استراتيجية جديدة للتعامل مع قضية دارفور، تركز على جعل السلام أقرب إلى المواطن الدارفوري، وعدم حصر المفاوضات مع الحركات المسلحة فقط، مطالبا بإشراك جميع المجتمعات المدنية والأهلية في عمليات المصالحات القبلية في الإقليم،وفي رده على قرار (المهزلة الجنائية الدولية)، بإضافة تهمة الإبادة الجماعية في مواجهة الرئيس عمر حسن أحمد البشير، قال الناطق الرسمي باسم الحكومة وزير الإعلام كمال عبيد إن القرار يؤكد أن المحكمة سياسية والدليل على ذلك التوقيت الذي تصدر فيه قراراتها المتعلقة بالسودان، وأوضح أن تلك القرارات هي محاولة لقطع الطريق أمام جهود تبذلها الحكومة لتسوية قضية دارفور، مشيراً الى أن القرار جاء لإفشال الوساطة المشتركة في انهاء ملف دارفور ويتقاطع مع الاستراتيجية التي قدمها مسؤول ملف دارفور غازي صلاح الدين الذي شارك فيها ووافق عليها النواب المنتخبون بمن فيهم النواب الذين يمثلون مجتمع دارفور.