أستوقفني خبر عجيب يوم أمس ساد في شبكة الإنترنت، ووجد مداخلات عديدة فيما يعرف ب (التفاعل) ويقول ذلك الخبر إن رجلاً سعودياً عرض إبنه البالغ من العمر ست سنوات مقابل عشرين مليون دولار، وذلك عبر موقع التواصل الإجتماعي (الفيس بوك) الأمر الذي أثار متابعى الموقع وقد إنتقلت القضية إلى إحدى الإذاعات التي إلتقطت الخبر بعد أن نشرته صحيفة (الشرق) السعودية، الأمر الذي أدى إلى تدخل ناشطة سعودية تدعى روضة اليوسف وتعّرف بأنها صاحبة حملة (ولى أمري أدرى بأمري) التي طالبت هيئة حقوق الإنسان بالتحقيق مع ذلك المواطن، لأنه تعدى على حقوق طفله وكرامته، وطالبت بمعاقبته حتى لا تتكرر هذه الفعلة مرة أخرى.. وقد ألقت الناشطة السعودية باللوم على الصحيفة التي نشرت الخبر واتهمتها بالإثارة الرخيصة. نحن لا نحاكم النوايا، ولا نعرف إن كان الأب جاداً أو هازلاً، لكن مبدأ الترويج لمثل هذه الفكرة مرفوض وتأباه الفطرة والنفوس السليمة، إذ كيف يخطر ببال أحد أن أباً يعرض إبنه للبيع، مهما كانت الأسباب!! هناك أشياء ليست للبيع مثلما هناك أشياء لا تشترى فالوطن لايباع وكذلك الاسرة والتاريخ والحقوق والواجبات، وما لا يشترى بالمال كثير مثل الحب والسعادة والكره والمشاعر والأحاسيس المختلفة والوطن تنبع قيمته من إرتباط الشخص به منذ ميلاده وبأهله وجيرانه وأصدقائه وتاريخه وحاضره ومستقبله، لذلك لا يبيع وطنه إلا خائن، والحقيقة هي أن الخائن لا يبيع الوطن، بل يبيع نفسه وضميره للشيطان. في لسان العرب لابن منظور يجيء تعريف الوطن بأنه المنزل تقيم به، وهو موطن الإنسان ومحله.. والجمع أوطان، وأوطان الغنم والبقر مرابضها وأماكنها التي تأوى إليها، إلى آخر التعريف الشامل الوافي في لسان العرب. وفي المصطلح السياسي المعاصر فإن الوطن يعني (الجهة) التي يقيم فيها الشخص دائماً أو التي له بها مصلحة أو فيها مقر عائلته .. وفي القرآن الكريم لم يتم إستخدام كلمة (وطن) ولكن استخدم كلمة (بلد)، وهناك سورة بإسم البلد.. والحديث الشريف لنبينا الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: (حب الوطن من الإيمان). أما الأسرة وهي أصغر نواة مكونة للمجتمع والتي تقوم على الزواج، وتكون هي نفسها نتائج لأسرة أكبر أو ما نسميه بالعائلة، فإن اهم مسئولياتها رعاية الطفل، وهي تعني- أي الرعاية- القيام بحفظ الطفل من كل ما يضره والإعتناء به والقيام بشئونه ولوازمه على أكمل وجه، بما يحقق حاجاته المتنوعة ونموه البدني والنفسي وشخصيته بشكل سليم ومتوازن ، وتعتبر رعاية الطفل وتربيته بين والديه هي الوسيلة الأمثل للتنشئة الإجتماعية المتكاملة، وقد حذرنا ديننا الحنيف من الإخلال بذلك ، وأوصى بإن يتولى المسئولية أقرب الناس للطفل في حال فقد الوالدين، أما في حالة فقدان الأقارب فإنه يتوجب على المجتمع المسلم المتكافل إيجاد الأٍسرة البديلة. والله إننا لا نُصدٌق عَرض الأب ولا نرى أنه حقيقي لأنه يتنافى مع غرائز البشر الطبيعية، ولا نراه جاداً في ذلك العرض، لأن مرض طفل واحد يجعل الأب والأم والأسرة كلها على أتم الإستعداد لإنفاق ما تملك حتى يشفى و (يشم العافية) وندعو الله في هذا اليوم المبارك ب( اللهم كما حفظت كتابك إلى يوم الدين، أحفظ ذريتي من الشيطان الرجيم، ووفقهم في دينهم ودنياهم، وأرزقهم صحبة الأخيار وخصال الأطهار والتوكل عليك يا جبار.. اللهم أشفهم وعافهم من أمراض القلوب والأبدان وبلغني فيهم غاية أملي ومناي بحولك وقوتك ومتعني ببرهم في حياتي وأسعدهم بدعائهم بعد مماتي) آمين ... و.. جمعة مباركة