ذابت هستيريا بداية العام الجديد ومولد الثانية الاولى من الدقيقة الاولى من الساعة الاولى في اليوم الجديد لشهر يناير 2012 كما ذابت الشموع التي تماوجت على قمتها شُعل نهاية العام الجديد..و تساقطت مواقع الإحتفال واحداً تلو الآخر من بداية أول نقطة في اقصى الشرق مرورا بأستراليا ونيوزيلندا وحتى آخر نقطة في أقصى الغرب.. وهاج العالم وماج، ثم صحا الناس فماذا وجدوا غير رقم تاريخ جديد على روزنامة العام الجديد..! ولكن بقى الحال على حاله.. الديون هي الديون إن لم تزدد قليلا..! والعطالة هي العطالة ذاتها.. والفلس هو الفلس والمواصلات هي المواصلات.. والزحام هو الزحام.. ماهو الجديد في العام الجديد..؟ فرحة زائفة.. وتجارة رابحة للأذكياء من التجار حول العالم، الذين يكتسبون من صنع الفرح للناس وتزين المناسبات للناس فيحتفلون بإنقضاء عام وقربهم من مفارقة الديار..! قبل شهر وأيام مرَّ العام الهجري حيياً خجولا فلم ينتبه إليه غير القليل من الناس حول العالم.. فلا ألعاب نارية ولا بهلوانية والحمد لله أن عامنا الهجري لا يحتاج إلى ذلك ولا يشبهه ولسان الحال أن يمر دون ضوضاء حتى لا تستيقظ الأمة من سباتها العميق فتجد ان الساعة قد أوشكت وان نداء المسيح عليه السلام قد دنا..! وصناع الفرح وتجاره يتأهبون الآن لعيد الحب في الرابع عشر من فبراير القادم، حيث يكتسح الاحمر الوهاج كل الدنيا ويموج العالم ويهيج ويبلغ الفرح ذروته ومنتهاه في يوم الحب بين آلاف الأشكال والألوان وملايين الهدايا المتبادلة بين المحبين و العشاق في يوم فالنتاين.. والرابح الوحيد في هذا اليوم هم التجار والصناع والمصممون ، جيوش من الخبراء والعاملين في الصين وتايلندا واليابان واندونيسيا وفيتنام وفي اوروبا والأمريكتين.. وهم أنفسهم الذين تكسبوا من العام الميلادي الجديد وبعد ايام من السنة الصينية الجديدة..! ماج العالم وهاج وصفق الناس وتبودلت الأنخاب والقُبلات وعمت الفرحة الدنيا بأسرها وشاهدنا حول العالم بفضل التكنولوجيا والأقمار الاصطناعية كيف إحتفلت كل مدينة بإطلالة العام الجديد.. مدينة دبي كانت الأوفر حظاً في الإحتفال بالعام الجديد وقد كان برج خليفة البناية الأعلى في العالم، هو مصدر البهجة والإلهام.. وكانت الألعاب النارية هي القاسم المشترك في إحتفالات الدنيا كلها.. ولكن إحتفالات شبابنا في السودان كانت بيضاً ودقيقاً ومويه وهرجلة وتعديا سافرا على حريات الآخرين..! رغم ان العديد من العائلات في العاصمة خرجت في نهاية هذه السنة إلى ضفة النيل في احتفالات غير مسبوقة ولم تشهدها العاصمة من قبل..بعض الذين خرجوا زعموا أنهم يحتفلون بعيد الإستقلال المجيد، وبعضهم زعم انها فرصة للخروج من المنزل والرتابة وتجديد للحياة، وكثيرون إحتفلوا بمَقدم عام جديد لم تكن فيه ألعاب نارية..! لا أرى ضيراً في ان نستقبل عاماً جديداً بروح ملؤها الأمل في غد مشرق جميل، ولا غضاضة أن يكون للعام الميلادي حظه من التبجيل والإحترام إذا كان التقويم الميلادي هو التقويم الذي نتعامل معه في حياتنا اليومية ولا نتعامل مع غيره..! وعادت الكثير من الأسر والعائلات راجلة حيث لم يجدوا مواصلات تقلهم الى بيوتهم البعيدة ولكنها كانت فرحة بسهرة رائعة وعام ميلادي جديد رغم المعاناة.. وأشرقت شمس يوم جديد عانى فيه عمال النظافة معاناة واضحة وهم يجمعون بقايا العام الماضي على إمتداد شارع النيل وفي الشوارع الرئيسية.. ولم يكن أحد منهم قد ساهر حتى الصباح مع بدايات عام جديد..! الناس تبحث عن فرحة ما، عن مناسبة سعيدة كي تخرج من همومها أو تتناسي همومها، ولكن نحن كلنا لا نساعد أنفسنا أو بعضنا على تحقيق ذلك..! تجول في العاصمة على إمتدادها وإتساعها، هل فيها من مكان يحقق للناس ما يحتاجونه للترفيه وقضاء أوقات جميلة، اذا كان المكان مناسبا إلى حد ما تجد ان آليات الترفية غير متوفرة أو الخدمة غير مكتملة أو الذين يقومون بالخدمة نفسها غير مؤهلين لادائها، وإذا توفر كل ذلك تجد الأسعار فلكية لا تتناسب مع الكثيرين من أصحاب الدخل المحدود..كل المقارنات التي نقارن بها حال عاصمتنا مع عواصم ومدن أُخرى جارة لنا أوغير بعيدة، نجد اننا ابتعدنا كثيرا عن المنافسة في اي مجال من المجالات..! تجد اسمرا وأديس أبابا والقاهرة وغيرها مدناً حديثة نظيفة وتتطور بإستمرار، وهناك إحترام للمكان والناس.. أما العاصمة التي يقرأ الآن كتابها المفتوح الاصدقاء والاعداء من الزوار الأجانب، يجدوا ان المعيشة فيها تحتاج إلى صبر جميل، صحيح نحن قوم نحب الآخرين ونكرم الضيف وإنهم يجدون بيوتنا راقية ومطابخنا فيها أجمل وانظف وارتب من مطاعم الفنادق.! ولكن حين يتعامل الضيف مع الشارع والمواصلات والمطاعم يجد العجب العجاب والمتناقضات التي لا تسُر..! فلا احترام للآخر.. ولا حرصاً على نظافة الطريق والحدائق والميادين، ويجد المفارقة واضحة بين نظافة بيوتنا وعدم نظافة شوارعنا.. ويلاحظ هرجلتنا الواضحة في الشوارع وعدم احترام قواعد المرور، وضيق الخلق والمشاجرات في امور تافهة.. لقد كان السودانيون مصدر تقدير وإحترام العالم في سلوكهم الحضاري داخل بلادهم وخارجها، ولكن الحال الآن وما نشاهده في حياتنا العامة لا يبشر بخير ولا يدعو للتفاؤل.. وكثيراً ما أتساءل عن الأسباب التي أدت إلى حدوث تغيير جوهري واضح في السلوك العام.. ولماذا نتدهور بهذا الشكل المريع..! العواصم والمدن خارج بلادنا تزدان بالحدائق والأشجار والورود والزهور على الطرقات وفي الميادين العامة وفي المقاهي الأنيقة التي تشرح القلب. لقد امضى الكثيرون نهاية العام الماضي وهم يتحلقون حول ستات الشاي في شارع النيل وفي الحدائق وفي أماكن كثيرة على إمتداد العاصمة.. صحيح ان جلسات ستات الشاي اصبحت معلماً من معالم العاصمة والولايات.. واصبحت مصدر جذب سياحي لعدد غير قليل من السياح.. ولكن تظل هذه المهنة الشريفة في حاجة إلى بعض التعديلات في بعض الأماكن السياحية حتى تغدو عملا سياحيا جاذبا ومازلت اتذكر تلك الخواجية التي جلست على مقعد ست الشاي وحاولت ان تقول للكاميرا إنها ست الشاي الخواجية..! وقد وزعت الصورة على نطاق واسع حول العالم.. وحازت على الدهشة..! معذرة إنه عام جديد نحلم فيه بتغيير يطال مفهوم الحياة الساكنة عندنا..ونحلم فيه بالإستيقاظ من واقع لايشبهنا وقد كنا قبل عهد ليس بالبعيد سادة أنفسنا كرماً وجمالاً وسماحة.. ثم فجأة تحولنا إلى حالة من الجمود جعلت الكثير من مظاهر القبح تطفو على السطح..! ما أحلم به ونحن مع بدايات سنة جديدة ان نبتسم رغم المرارات والغلاء وسوء الحال..(تبسمك في وجه أخيك صدقة) وأن نعطي مساحة للآخر في الشارع العام وان نكرم المرأة في المواصلات وفي الأماكن العامة..! وان تجتهد وسائل الإعلام في تقديم برامج تدعو للتغيير والإصلاح وتحسين البيئة وإحترام الطريق..! وأرجو أن لا يضيق بنا الحال من عدم حدوث التغيير إلى الأحسن.. فنطالب خبراءنا بوضع إستراتيجية قومية لتطوير البلاد تتحقق على أرض الواقع في مستهل الألفية الرابعة..! إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.