لا تكون الديمقراطية ولا تداول السلطة سلمياً وشورياً، إلا عن طريق الأحزاب والناخبين وصناديق الاقتراح.. أو يتم تغييرها أو استلامها- أي السلطة- عن طريق ا لانقلاب أو الثورات الشعبية السلمية المتحضرة كما حدث عندنا مرتين في اكتوبر 1964م وأبريل - رجب 1985م،، أو دموياً كما حدث في الثورة البلشفية في موسكو- روسيا 1917م.. حيث سالت حمامات الدم.. أو في الثورة الفرنسية 1789م، حيث سالت بحور الدم.. فغطت سماء الباستيل وسالت فصبغت نهر السين، وشوارع سان جرمان وسان ميشيل... أو ما حدث في 1991م.. عندما ذبح الرومان زعيمهم السابق نيكولاي شادشيسكو وحرمه أستاذة العلوم المتميزة في الجامعات الرومانية.. ولعلكم تذكرون شاوشيسكو، فهو الذي أهدى لنا مبنى مجلس الشعب الحالي بطرازه الروماني العريق، مثلما أهدت لنا الصين الصديقة قاعة الصداقة التي نعتز ونفخر بها وبصداقة الصين في الخرطوم. والمتأمل في الثورات الشعبية، يعرف ويكتشف أننا نموذج للنبل والتحضر.. وأننا ضربنا المثل للعالم كله-لا للعالم العربي- في الثورة السلمية واحترام كرامة الإنسان وصيانة مقدرات الدولة ومالها العام، وموروثاتها وآثارها من التدمير والحرق والتخريب، وأن ثوراتنا ليست ثورات غوغاء وسفلة مأجورين، كانت ثورات الصفوة التي تحب وطنها، والتي تصادق وتعادي وتخاصم في نبل ودين وأخلاق.. واذكر أننا في ثورة اكتوبر 1964م.. وكنا طلاباً في الجامعة.. نشارك في المظاهرة بإيجابية، وكنا نحول بين المخربين والمورتورين والمندسين من حرق وتخريب الأماكن العامة.. وكنا نقف سداً بينهم.. وبين من يحاول- على قلتهم- افتعال مثل تلك الأفعال. وإذا عدنا إلى الحديث عن تغيير السلطة، عن طريق العنف والقتل والقتل المواجه، واستهداف السلطات من جانب.. واستهداف المتظاهرين من جانب آخر (العنف والعنف المتبادل) أو المواجهة بين الطرفين.. ومن يندس ويشعل النيران بينهما من أصحاب الأجندات الخاصة.. ومن يصطادون في الماء العكر من القنوات والدول الكبرى.. حجماً.. لا عقلاً ولا ضميراً.. ومن في خدمتها من المنظمات والأعوان.. نجد المثل في أكثر من قطر عربي.. سواء لدى الجارة الشقيقة ليبيا- التي حسم الصراع فيها بستة وعشرين ألف طلعة لطيران حلف شمال الأطلسي- وأمريكا وبريطانيا وفرنسا قذفت مئات الأطنان من القنابل الحارقة.. وتحطيم البني الأساسية، أو بعض الأقطار التي لا تزال تشتعل فيها النيران حتى كتابة هذه السطور.. البندقية حجة العاجز.. والإنسان عندما يكمل منطقه يخرج سكينه وخنجره.. والأسلوب الحضاري لتداول السلطة هو الاحتكام للقانون والدستور... وسبيلهما الحوار.. وتلاقح الرأي والرأي الآخر.. فما نشاهده اليوم في أقطارنا العربية لا يسر الخاطر.. وقد أصبحت عقلية كثير ممن يحركون الشارع فيها أقرب إلى عقلية بوكوحرام.