تتوافق الفطرة البشرية عبر العالم عرقياً وجغرافياً.. وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها.. ولكن تعتريهم همزات وكدمات الشيطان فينحرفون (كيفما) و (أينما) و (حسبما)، ولذلك توالت عليهم الرسالات كي توجه وتعيد الفطرة متى ما جنحت وتفلتت.. والأمثال التي نضربها للناس كثيرة وأكيدة.. ويعقل الجميع ويدركون أن التوجهات والإستقامة على الطريق القاصد إلى يوم (الساعة)، آخرها دين (الإسلام) وهو خاتمها ولن يأتي بعده دين أبداً.. إلا أن التعصب للأديان الأخرى يوقع بعض التفلتات.. ولقد ضربت مثلاً أننا يوماً حضوراً لندوة بولاية (جورجيا) الأمريكية، حين تحدث المحاضر وأورد من بين حديثه أن (عيسى) نبي الله قد قُتل ثم بعثه الله من جديد.. وعند فاصلة المداخلات والأسئلة تقدمت أنا إليه بسؤالين.. بعد أن نبهته أنه قد يغضب أو يخرج عن طوره إذا أحرجه سؤال... فأكد للجميع أنه مطمئن لهم جميعاً ولن ينفعل.. فقلت له: نحن كمسلمين من لا يؤمن منا (بعيسى) عليه السلام .. فهو ليس بمسلم (.. آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله.. لا نفرق بين أحد من رسله..) هكذا نحن المسلمين فكيف أنتم المسيحيون.. وما هو (محمد).. صلى الله عليه وسلم.. خاتم الأنبياء والمرسلين عندكم.. فرد قائلاً (محمد) قائد عظيم.. هكذا فقط ؟! قلت له.. فهنا أردفته بحديثي كما يلي: أنت قلت إن (عيسى) قد قتل.. ثم بعثه الله.. ولكن عندنا نحن المسلمين أن (عيسى) لم يقتل ولم يصلب.. ولكن شبه لهم (أي للمعتدين) فإذن درجة الذي لم يقتل ولم يصلب أعظم من الذي (مات) ثم بعث من جديد فهنا (ثار) وعلا صوته أمام الناس قائلاً لي: أسكت.. فهاج حين شعر أنه موقف قد يحرجه فاضطرب أمام هذه المقارنة.. هذه واحدة أما الفطرة السليمة ا لتي أكبرتها في صاحب الأسرة الذي أستضافنا بمنزله أنا وزميلي (الكمروني) المسيحي.. فخرجنا يوماً بإحدى سياراته بالمنزل.. وكانت تقودها ربة المنزل (زوجته) ثم أحتل هو مقعده الأمامي قرب (السائقة) وجاءت (حفيدته) بالمرحلة الثانوية لتركب معنا بالمقاعد الوسطى.. فعندها هبَّ صائحاً (أوه) إنها بنت.. ونزل من مقعده الأمامي وأجلسها فيه ثم (ثالثنا) نحن الاثنين.. فهذه فطرة.. وهو مسيحي.. وغير ذلك كفطرة كثير.. ولهذا قال شاعر العرب عن النشئ: علموا النشئ علماً يستبين به سبل الحياة وقبل العلم أخلاقا فالحكمة تقول: وينشأ ناشئ الفتيان منا* على ما كان عوده أبوه ثم (القرين بالمقارن يقتدى) وهذا الشبل من ذاك الأسد.. ولما كان الإبداع الشعري أيضاً تضخم في بيت الشعر القائل: نعم الإله على العباد كثيرة* وأجلهن نجابة الأبناء وعلى هذا التماثل تقدم على الإفهام والأقوال طراً قول المصطفى (صلى الله عليه وسلم) علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل- (بل مروهم فليثبوا على ظهور الخيل وثباً) وقد درجنا في مدارسنا ومعاهدنا ومنتدياتنا أن نعلم ونربى الناشئة على كثير من الخصال (الرياضية) و (الجهادية) و(العسكرية) و (السياحية) عبر جميعات الجغرافيا لنغطي (الربوع) البارحة البعيدة.. ونعلمهم كيف يصطادون براً وبحراً.. وكيف يتعلقون بالأشجار والتلال والجبال.. حتى الأنبياء كما ذكرت لكم يوماً (ما من نبي إلا ورعي الغنم) للتدريب على المراقبة والمسئولية.. والإعتماد على الذات وتنسيق الجهود.. حتى وإن تشرذمت (نعاله) رتقها.. وقد يأتيه حين يرقع جلبابه أو يخيطه.. ويغسله.. لأنه قد يكون بعيداً عن (دولاب) ملابسه.. وقد يأخذ (الإبرة) و(الخيط) من رفيقه.. وهكذا يا أهل الحضارة، وهنا أقف لأقول كان عام (1916م) لأحد القادة البريطانيين يسمى (بادن باول) قد أنشأ ما يسمى ويعرف (بالكشافة) لتربية وصقل ورفع مواهب (الناشئة) حتى يقول الفتى (أنا).. وليس ما كان أبي.. ويصير بعد برهة متقدماً يقود الآخرين.. ويتجول بهم في رحاب البر والبحر والجو.. وكما وجدنا في مدينة الأبيض (كشافة البيئة) كبادرة غير مسبوقة فإن التربية والولاء للدين والولاء الوطني وبذل الجهد والسماحة والصداقة مع الآخرين ومساعدتهم.. وتقديم كل ما هو نافذ ومرتقب والإهتمام بأناقة وجمال وتميز المظهر.. وغير هذا وذاك .. كل هذا من فطرتنا السودانية بل العربية بل الإسلامية .. وهكذا يسرح ويتفلت العالم لكنه يعود لهذه (الخصال) المفضية إلى عالمية التشابك وبهاء الكون واريحية التلاقي والمناشط.. فمن زاوية هي هذه وغيرها من المنابر والوقائع نشطت (ثقافة) و(علوم) و(أدبيات) ومناهج الكشافةscout) هي تربية ومنهج يتحتم على وزارات التربية والتعليم والثقافة والإعلام والبيئة أن تكون هذه الواجهات هي مداخل (الناشئة) و( الفتيان) و (الجوالة) و (القادة) يتقدمهم روادهم على وزن المثل السوداني (الماعندو كبير يشوفلو كبير) ولهذا فالكتيبات والوثائق الموجهة هي مرجعيات وتجربة الواقع دلالة ناصعة على حكمة الشهادة (خير الناس أنفعهم للناس) وقد رأى المواطن السوداني عندما حركته نفرة الحج الأكبر لبيت الله الحرام.. فكانت فرقة (السواعد) هي العون والمساعدة والبيان التي رابطت على خدمة الناشطين والمتوجهين إلى الأراضي المقدسة هذا العام.. فانتظمت الفرقة بل المجموعة (الكشفية) لتذليل كل احتياجات وخدمات الحراك والاستعداد للاقلاع أو الابحار وتسليك النوايا.. وكان ذلك كله عبر منظومة التنسيق مع الجميع في هذا الشأن.. فكانت همة أشاد بها أيضاً أهل الشأن.. وإنك لا تجد هيئة أو نهضة بموقع في هذا السودان أو تنسيقاً وتعاوناً مع غيره إلا ووجدت هؤلاء الفتية قد سبقوك وأحاطوك ثم تلاحمت الولايات خاصة ال (15) ولاية الساطعة ثم وضعنا في قيادة الكشافة العليا.. وضعنا جداول وموجهات للتطواف للوقوف عند كل ولاية ومحلياتها.. إنطلاقاً من الولاية العظمى (الخرطوم) وكشافها الأول (د. عبد الرحمن الخضر) ومحلياتها السبع دخولاً على الولايات الأخرى عبر (ولي الأمر) ثم وزاراته المعنية.. فكان أن أحاط وفدنا بالنيل الأبيض أحاطه بعنايته الأخ العطوف (الشنبلي) ثم ناشطنا الكردفاني (معتصم ميرغني حسين زاكي الدين) وعترته النابهة.. وهو الأذرع للمجاهد البروفيسر (الزبير بشير طه) إمام (الجزيرة) المنداحة.. وقلنا له إن (نهر النيل) يلبس تاجها و تيجانها اللواء الحريك (الهادي عبد الله) حيث أرسل عبر حبيبات وتيارات النهر الخالد برقية للمحامي (فتحي خليل) والينا بالشمالية.. وأدى وفد تمام وتحية الوصول لأخي اللواء (الهادي بشرى) زعيم النيل الأزرق.. منحدراً إليه من أخي العالم (أحمد عباس) الكشاف بولاية سنار .. ولبقية الولايات نقول ونكرر .. علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل.. والله أكبر.