ليس الدواب وحدها هي التي تحرن، أو تمتنع عن إجابة طلب صاحبها أو سايسها، بل الأقلام أيضاً، وكذلك الأفكار التي تأبى أن تتبلور لتصبح مادة تكتب عنها للصحافة اليومية التي لا تعرف التوقف، لذلك يصبح القلم في بعض الأحيان عصيِّاً على الإمساك وعاصياً على التعبير، مثله مثل الفرس الجامح الحرون.. فناننا الراحل محمد أحمد عوض - رحمه الله - غنى أغنية جميلة يقول شاعرها: (القلم طاوعني تاني وقلت أرجع للكتابة .. أصلي مشتاق لي عيونك بلدي يا وطن الغلابة) أو هكذا هي الأغنية التي تشير إلى أن القلم حرن في يد الشاعر من قبل.. والأمثلة كثيرة عن تمرد الأقلام ولكنها قطعاً أكثر من تمرد أصحاب الأقلام لذلك تقودهم دائماً إلى المحابس والسجون والمعتقلات خاصة إذا ارتبطت بالفكر أو السياسة أو الصحافة. بالأمس حرن القلم والفكر وغابت الموضوعات تماماً وقلت لأخي وصديقي الأستاذ عبدالعظيم صالح مدير تحرير «آخرلحظة» أنني ربما لا أكتب مادة للغد - اليوم - لذلك أرجو إخطار المكتب الفني وسكرتارية التحرير بنشر احتجاب.. لكنه لم يقبل وقال لي:(الموضوعات كثيرة) فرددت عليه بأنني لا أريد الكتابة في السياسة ضحك وقال لي:(أكتب عن الجو.. وللا أقول ليك .. أكتب عن الإرصاد).. هنا هبطت على الفكرة ب(براشوت) عبدالعظيم صالح، الذي كنت أتحدث عنه عصر نفس اليوم مع المستشار والكاتب الكبير الأستاذ محجوب فضل بدري، وكنا نناقش أموراً عامة في الوسط الصحفي وأموراً أخرى ذات صلة بصحيفة «آخرلحظة» وقرائها الكرام... وقلت ضمن ما قلت للأستاذ محجوب إننا نسعى لأن نفك ارتباط الصحيفة بشخص واحد.. نريد لها أن تكون مدرسة لها منهجها ودروسها وسياستها التي تقوم على الأداء الجماعي وإفساح مجالات أوسع للرأي والرأي الآخر تحت مظلة الموضوعية وفي أطر المسؤولية الواعية بالهم الوطني العام، مع استصحاب الخبر وما وراءه وتحليله إضافة لبقية فنون العمل الصحفي والتحريري. وأخذنا نتحدث عن كتاب الصحيفة وميزاتهم الفردية التي تشكل ميزة كلية للصحيفة وذكرت للأستاذ محجوب أنني استمتع بقراءة كثير من الأعمدة قبل نشرها، ومن بينها عمود الأستاذ عبدالعظيم صالح الذي يكتبه بحرفية عالية ولغة رفيعة ومفردات رشيقة لتصل رسالته لنا نحن القراء واضحة جلية. تذكرت هذا الحوار عندما طلب إليّ الأستاذ عبدالعظيم أن أكتب عن الجو أو الإرصاد، فرأيت أن أدفع اليوم بهذه الزاوية كمقدمة لما يطلبه مدير التحرير الذي أعانني كثيراً وأخرجني من ورطات القلم الحرون.