ميدان التحرير يغلي.. الرصاص يعوي.. الدم يجري.. يروي، دلتا جديدة في مصر اسمها «الحرية والإنعتاق من تحت الحذاء العسكري» الذي حكم مصر«60» عاماً.. بدأ الحكم نظيفاً ولكنه كان عسكرياً، وسار الحكم جميلاً وقد إستمد جماله من جمال عبد الناصر الذي طرح مشروع القومية العربية، الذي كاد أن يوحد العرب من خلال مؤتمرات القمة العربية التي عُقِدت في القاهرة وبعض الدول العربية ومنها السودان، حيث خرجت من الخرطوم مقررات اللاءات الثلاث الشهيرة، ولكن كان الحكم أيضاً.. أيضاً عسكرياً بالرغم من أنه خلع عبد الناصر - البذة العسكرية - وارتدى «البدّلة المدنية» وبعدها جاء ذاك الفتي الأسمر الوشاح محمد أنور السادات.. جاء بطل العبور الذي زلزل الكيان الإسرائيلي في ست ساعات فقط، فتكالبت عليه الإمبريالية الأمريكية والعالمية بفتح ثغرة «الدفسسوار» التي كانت جرحاً عميقاً في الجسد العربي وليس الجسد المصري فقط، وكان الحكم أيضاً.. أيضاً عسكرياً وخلاله بذغ نجم محمد حسني مبارك كنائب أول لرئيس الجمهورية وبعد حادث المنصة الشهير في ميدان «6» اكتوبر الذي تمزق فيه جسد الرئيس أنور السادات برصاص التيار الإسلامي، ومن ثم جاء حكم الجيل الثالث للعسكرتاريا المصرية، حيث قبض حسني مبارك علي مقاليد السلطة بيد من «ذهب» وليس من «حديد» لأنه ومنذ تقلده السلطة كان مبهوراً بالذهب والسلطة والهيلمان وجمال «سوزان» التي كانت تحكم مصر من غرفة نومها التي أنجبت لمصر «حكم العيال» ما أصلو الحكاية اتوسعت و«العيال كبرت»، وكان لا بد أن يرث «العيال» الحكم فكان علاء وجمال، والأخير كان رئيس أخطر لجنة في الحزب الوطني الحاكم وهي «لجنة السياسات» التي كانت الحاكم الحقيقي لمصر.. «سوزي» ترسم وتخطط وحسني يوقع وجمال ينفذ وكان أيضاً.. أيضاً كان الحكم عسكرياً.. صحيح أن حسني قد خلع البزة العسكرية وارتدي «البدلة المدنية» -الفل سوت- وتحكم في القوت، وحرمت «البدلة المدنية» -الفل سوت- شعب مصر حتى صحن الفول، فهاجر الإنسان والمكان والزمان من مصر، وانتشر الإنسان المصري في كل المنافي البعيدة إلى أن هبت نسائم «الربيع العربي» وكان «بوعزيزي» الشرارة الأولي في تونس الخضراء التي أصبحت حمراء وانتصر الربيع علي الجرابيع وهرب عابد الذهب الذي حمل أطناناً من الذهب وذهب. وبعد ذلك انتشرت نسمات الربيع العربي وعمت اليمن وسوريا وليبيا، ولا أدري ماذا يخبئ الزمان.. لأعداء الأوطان.. وهم عارفين وأنا عارف أن رياح الربيع العربي ستكون في أي وقت.. بل في أي لحظة.. جنوبياً هواها و«المكنكشين» علي السلطة لا يعرفون عقباها.. ولكن الشعب يعرف عقباها، لأن الحذاء العسكري قد اهترأ نعله.. وقد أصاب رباطه الزهايمر السياسي وربنا يستر وما شاء قدر. عفواً سادتي لهذه الاستطالة ولكن أين لي وأنا أتنسم عطر الربيع العربي الذي اشتعل في شمال الوادي عطراً وقمحاً وتمني، وكانت ثورة الربيع المصري التي تفجرت وقدمت للأمة العربية سقفاً رائعاً للتحرر الوطني، ليس من المستعمر ولكن من أبناء الوطن الذين خانوا الوطن والشعب والحرية وأفسدوا في الأرض وتطلعوا إلى السماء ولم يجدوا نجماً واحداً ينير لهم الطريق الأسود الذي سلكوه. الحديث يا سادتي يطول ويطول عن مصر وثورة مصر التي تفجرت في 25 يناير 2011م فيما يعرف بثورة الربيع العربي، وكانت البداية قبل ذلك بثمانية عشر يوماً إلى أن وصل المد الجماهيري إلى أقصاه، وعندها خرج نائب الرئيس المصري ببيانه المقتضب الذي أعلن فيه رحيل الرئيس محمد حسني مبارك عن سدة الحكم وبذلك انتهت حقبة مظلمة وبداية حقبة في المشهد السياسي المصري، وقد فتح رحيل الرئيس المصري حسني مبارك جدل قانوني واسع. توجه مؤخراً محامي الرئيس المصري حسني مبارك حيث فجر مفاجأة من العيار الثقيل في مرافعته الأخيرة فذكر فريد الديب أن محاكمة الرئيس حسني مبارك باطلة أمام محكمة الجنايات التي تنظر الدعوى، بحسبان أن اختصاصها ولائياً بالقضية بحكم الدستور، وأن مبارك لا يزال رئيساً للجمهورية، وذكر أن أمر التنحي غير قانوني لأنه جاء عبر مهاتفة بين الرئيس حسني مبارك ونائبه اللواء عمر سليمان، وقد دعم المحامي مرافعته بالمادة «78» من الدستور المصري، التي تشير إلى أن رئيس الجمهورية المنتهية ولايته يظل يمارس صلاحياته الرئاسية حتى يتم انتخاب رئيس جديد للبلاد وهذا ما لم يحدث حتى الآن. أعلم تماماً .. تماماً أن الجدل القانوني لا يهم عامة الناس وإنما الذي يهم الناس فعلاً هو حياة المشاهير نفسها كيف كانت.. وكيف كانت اللحظات الأخيرة منها.. وخاصة مثل شخصية حسني مبارك التي كانت طاغية علي كافة الرؤساء العرب وذلك من وضع مصر الاقتصادي والاجتماعي والسكاني والتاريخي مما أهّل مصر لتكون أكبر دولة عربية، وانطلاقاً من هذا فقد ذكر السيد عبد اللطيف المناوي رئيس قطاع الأخبار في ماسبيرو قلعة التلفزيون المصري في كتاب بعنوان «الأيام الأخيرة لمبارك - 18 يوماً» جاء في الكتاب سرد حي للحظات الأخيرة من حياة الرئيس حسني مبارك في القصر الوطني - قصر الرئاسة، وذكر أن سيدة مصر الأولي سوزان مبارك التي كانت تهز وترز عند سماعها خبر التنحي قد اجتاحتها نوبة من البكاء والعويل حتى أنها لم تتمالك نفسها ورمت بجسدها على الأرض وهي تنتحب بشدة، وتأكيداً علي هذه الرواية فقد ذكرت صحيفة «التايمز» البريطانية أن حراس القصر الرئاسي عثروا علي سوزان وهي في حالة مزرية وقد انبطحت على الأرض وهي تنتحب بشدة وكانت تحدق في الهدايا التي أُهدِيت لها أيام العز والصولجان، وكانت تجتر التذكارات القديمة، وكان نجلاها جمال وعلاء في انتظارها بالمطار لنقلها بالطائرة الرئاسية إلى منتجع «شرم الشيخ» الذي كان يطلق عليه أبناء وبنات الذوات اسم «شارم» وذلك تحرجاً من ذكر اسم «شرم الشيخ» وقد كانوا يعتقدون أن هذا الاسم «بيئة» وبعصبية لا تخفى على أحد تمالكت «سوزي» نفسها وأخذت في جمع حقائبها ومتعلقاتها الخاصة وكانت عصبية جداً ومتوترة جداً وكانت تصرخ في أي وجه أمامها ومن بين أنفاسها الخائفة الملتاعة إلتفتت إلى أحد الحراس وقالت له: هل تعتقد أنهم سيأتون إلى القصر.. أرجوك.. أرجوك ألا تدعهم يأتون إلى القصر.. إنهم سيدمروه ويدمروني.. أرجوكم أبقوا هنا.. وأحموا القصر من هؤلاء الغوغاء، وطوال هذه اللحظات الدراماتيكية كان هناك من يهتم بأمر بث شريط فيلم التنحي الذي أذاعه فيما بعد اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية وأشار الكتاب إلى أنه علي الرغم من أن أحداً لم يكن يعرف شيئاً فإن شعب مصر كلها كان ينتظر هذه اللحظات السعيدة عنده والمأساوية في حياة سوزان مبارك، وكانت سوزان تنخرط بين لحظة وأخرى في موجة بكاء تحطم أعتى القلوب. المعلوم يا سادتي أن مؤلف الكتاب قد استقي المعلومات الواردة في كتابه من شاهد عيان من كبار موظفي القصر وكان قد وصف اللحظات الأخيرة في القصر بدقة متناهية، بالإضافة إلى اللحظات المأساوية خلال أيام الثورة، أما اللحظات الأخيرة لمبارك وعقيلته سوزان فقد اقتادهما أحد الحراس إلى غرفة صغيرة بالمجمع الطبي للقوات المسلحة المصرية، وذكر أن سوزان كانت في حالة مزرية وهي تبكي بحرقة وهي إلى جانب زوجها الرئيس المخلوع الذي كان قبل دقائق معدودة فخامة الرئيس محمد حسني مبارك والذي انتهي إلى هذه النهاية المريرة، وقال شاهد العيان بعد ذلك وصلت طائرة الهيلوكوبتر إلى ساحة القصر الرئاسي وحطت عليها، ونقلت الرئيس وسوزان إلى رحلة اللا عودة إلى منتجع «شرم الشيخ» وانتهي كل شئ .. كل شئ.. تقريباً.. وبذلك إنطوت صفحة حكم حسني مبارك لمصر طوال «30» عاماً، وسبحان الله.. سبحان مغير الأحوال ومن ثم أرجو أن يتعظ الحكام العرب من هذا «الحكي» الذي لم يكن يخطر علي قلب بشر في أيام العز والجاه والقوة والصولجان.