واليوم يا أحبة عذراً فأنا اليوم في حضرة عيد له أعلام وأنغام وبوارق.. اليوم أودع دنيا السياسة وأتونها المشتعل بالجحيم.. اليوم أغلق محبرة النزيف والدموع لأكتب برحيق زهر البرتقال.. بعصارة صفق الورود.. بشلال من بحر الشهد المصفى.. اليوم وأنا لست مثل الحبيب الصديق الوديع العنيد هاشم صديق.. ونهر الوجع وأبدأ حروفه بأطراف أسنة وخناجر وحاجة فيك تقطع نفس خيل القصائد تشبه أجراس المعابد.. توهتني.. جننتني.. تعبتني.. لا أنا اليوم في حضرة (الجاغريو) في مناسبة لا توهتني.. لا جننتني.. لا تعبتني.. عكس ذلك تماماً أسعدتني أبهجتني أطربتني كيف لا.. وأنا حضور بهيج وسعيد في رحاب زهرة المدائن ومكمن وحدائق الشعر والزهر والجداول والرجال.. أنا الآن في العيلفون جنة الله في وطن النجوم والجمال والمحال ولكن لماذا؟ يا لي من سعيد أكثر سعادة من ذاك الذي أنشد.. هل أبيتن ليلة بوادي القرى إني إذاً لسعيد.. كيف لا أكون أسعد منه حالاً وأنا سأبيتن ليلة بالعيلفون إني إذاً لسعيد.. في صباح بديع مشرق الأركان.. ينشد مكتبي أربعة من شباب العيلفون يحملون رقاع دعوة مكتوبة بعصير الصندل على ديباجة كأنها جناح فراشة يتقافز من بين حروفها عطر المسك.. يضوع ينعش وينتشر.. من فرط حلاوتها تتلمظ حباً من السكر.. دعوة أنيقة وسيمة مترفة وفاء واحتفاء بقمر اكتمل بهاء بزغ من أفق العيلفون يضيء كل مكان.. إنه الشيخ الجاغريو يا للاسم من جلال.. يا للرسم من وقار.. يا لأياديه.. بل صدره من بحيرة تدفقت منها جداول متعة.. ونغم وأشعار.. أعادتني هذه الدعوة إلى أيام زاهيات من عمري آنذاك كنت في فتوة العمر الذي كان نضيراً.. وبسرعة البرق لمعت في مؤخرة دماغي تلك اللوحات البهية البديعة الباهية التي وهبها.. بل رسمها لنا المبدع البديع الجاغريو.. لا شعورياً اجتاحتني رعدة ثم سرت في أوصالي رعشة.. ثم عصفت بي عربدة الجنون وطفقت أردد: يا بنت النيل النيل.. وتدافعت صور الفاتنة أحبو وأحب نوناتو.. نوناتو الفي وجناتو.. ويتواصل الشلال روياً وندياً وطرياً.. وأنا من ضفايرو السادلة.. يتعبني تعب شديد لو حلحلا.. وما زلت أسأل ولا أجد إجابة عندما يقول الجاغريو فقدنا الصواب يا شبابنا.. ويا أبوعبده وين أحبابنا.. ويا لك من سعيد يا (أبوعبده).. فقد جاء اسمك بريشة فنان الطرب والشدو البديع الجاغريو.. أنا لم أكتب حرفاً عن أولئك الشباب الذين حملوا لي في فيض وفيوض كرم الدعوة الشاسعة المخملية.. إنهم تجمع شباب العيلفون.. لم أعرف حرفاً واحداً عن اسم أي منهم.. لا تهم الأسماء.. المهم أنهم من العيلفون وكل من أسعدته سعادة الدنيا وكان (عيلفونياً) هو قارورة عطر بهيج أو باقة زهر عطرته الأنفاس.. أو بساط عشب أخضر كما السندس الاستبرق.. أو سهم نصر وانتصار.. أو ربطة (طيبة) وإنسانية وروعة خصال. وكنت أود حضور الليلة.. بل كنت أستعجل الشمس أن تسرع وأن تجري.. كنت أستعطف (شوكات) الساعة أن تهرول فأنا في شوق يستعر لهيب ناره لتكتحل عيوني.. بل أن تنشق عيوني لأكون حضوراً في العيلفون.. ولكن ولأن (الشقي ما بسعد).. فقد تضافرت الظروف والتي هي أبداً (معاكساني) لأكون شهوداً في ليلة من ليالي الوطن الجميل. عذراً بطول الأرض.. بعمق البحر.. بطول الصبر أحبتي في العيلفون.. نعم غابت عنكم دولة الأشباح ولكن روحي أبداً هي بينكم يحملها (الجاغريو) ذاك الذي أبدع وأنشد وأفرح وأبكى.. و... يا رائع جفيتني وأنا ضايع تعال لي الخده لال تعالي لي دقايق قلال تعال لي معنى الدلال تعال لي الحب حلال تعال لي ضناني الجوى تعال لي شوفتك دوا تعال لي عارف الهوى تعال لي والأرواح سوا تعال لي شكراً تجمع شباب العيلفون.. وهاطل السحائب والمزن على مرقد (الجاغريو) الطاهر.