من كاليفورنيا التى قالت لنا حصة الجغرافيا إنها بلاد (الشمس المشرقة) الى (بحر الشمال) الذى انشد له الطيب عبدالله واخرون تعلقنا بمدن لا شأن لنا بها ورسخت فى الذاكرة على أنها الأروع على وجه الأرض ، وما استنكفنا حتى حينما اكتشفنا امريكا على حقيقتها ، فالحقيقة اننا نتعامل مع كلام الاعلام والمدرسة على انه حقيقة ، وليته يكون كذلك ، ينتج فضاءات جديدة حقيقية تشرق شمسها سلاما وعافية للبشرية بينما العالم يتعرض اليوم لثقافة الاستهلاك والتكرار والتقليد واضمحلال مفردات عزيزة مثل (بريق ، مبتكر ، باهر ومدهش) . ربما لذلك برزت اتجاهات اعلامية عالمية جديدة تقاوم الزيف وخيبة الامل بانتظار الجديد ليفرض نفسه . البعض اهتدى للاهتمام بالبيئة المحلية كاساس للعالمية فتوجهت بالاضواء الى كل ما هو بكر لم يكتشف بعد والاعلاء من شان التنوع والمشاركة التحتية حيث يعيش الناس فهنا المورد البكر الذى لا ينضب . (المحلية اساس للعالمية) كثرحولها الحديث مقترنا بثورة الاتصال والتقنية الرقمية التى انتجت الوسائط المتعددة ومنها الفيسبوك والراديو المشاهد واذاعة القرب لربط (الناس التحت) بالفضاء عبر (النت) . تجربة نجيب محفوظ والطيب صالح مثال بارز فمؤلفاتهما تسربت للخارج وازدهرت لما فيها من جديد لم يخطر على بال ، فكرة بسيطة وقريبة من الناس . القرب من الناس هو الذى قاد لجذب الاهتمام الآن للبيئة المحلية البكرة وسط الاحداث والمتغيرات ومهددات السلام العالمى لنجد قناة (الجزيرة) مثلا تترك ميدان التحرير فى القاهرة لتتغلغل الى الريف المصرى وتقدم تقريرا اخباريا فريدا من مسقط رأس الأديب المصرى الشهير مصطفى لطفى المنفلوطى الذى كتب (تحت ظلال الزيزفون) ليتخاطفه الناس قبل تراجع دولة القراءة تحت سنابك سباق الفضائيات . (منفلوط) المنفلوطى فى عمق الريف المصرى و(كرمكول) الطيب صالح على خاصرة منحنى النيل و(حارة) نجيب محفوظ فى زحام قاهرة المعز اصبحت جميعها معالم للعالمية تؤهلها روعة الفكرة والقرب من الناس وثراء المضمون . الامثلة عديدة ، يستوقفنى دائما كدليل على ثراء ربوعنا وضواحينا مسلسل (أقمار الضواحى) وكيف انه خطف الانظار لذات السبب وكذلك مسلسل (الشيمة) احد روائع الدراما التلفزيونية المنحازة للمجتمع ولمواثيق الاسرة الممتدة . كلاهما تغلغل فى المجتمع وعايش الناس (البعاد) و تصدى لقضاياهم بذكاء وشفافية مدافعا عن قيمهم وفلذاتهم من سموم العصر وعادياته . الامثلة فى مجال الإنتاج الدرامى والاعلامى ككل غير قابلة للحصر هنا ومنها برنامج (الصلات الطيبة) وكيف تعامل اعلاميا ويذكاء مع تفاصيل فى المجتمع مهمة ظلت منسية مع انها معطاءة . إن البحث عن افكار جديدة تحقق المشاركة بوعى وشفافية عبر فضاءات آمنة بامكانه ان يثمر عن علاج موضوعى تسهم به الصحافة والاعلام فى حل قضايا المجتمع وهو يتعرض للتغيير السلبى والاجتياح الثقافى . المعالجات الذكية للقضايا عبر الصحافة والاذاعة والتلفزيون مشهودة ومحفذة للمجتمع والدولة للمضى فى التجديد والابتكار والإضافة وانجاز مهام جسيمة تنتظر فى مواجهة متطلبات إعمال الفكر واثراء الساحة والوجدان . الامثلة اللافتة تستدعى التذكرة بنموذجها لتجديد الثقة فى الاعلام الهادف كماعون للابداع والفكر المنتج للحلول ، المحصن للعقول من داء التقليد وتلوث الفضاء . الامل معقود فى فضاءات نقية تأتى بالجديد فى كل اوجه الحياة فالاعلام مهمته توليد وتعميم الافكار الجديدة والتجارب المميزة والنماذج الباهرة . الاسبوع الماضى فوجئت ببرنامج عن (جزر القمر) دولة وليدة فى احدى اركان الدنيا ، بعيدا عن تلوث الفضاء وعبث البشر . فريق التلفزيون يبدو كالمكتشفين وقد سمعنا من يضيفهم لقائمة (ابن بطوطة) . فكرة الارض البكرة تجلت فى مشاهد السهرة وافادات السكان وانطباعات السودانيين الذين وصلوها كمكتشفين والان يحتفلون بفتح سفارتهم ، وبإمكانهم ان يكونوا روادا فى هذه البلاد البكرة ، اعلاميا ودبلوماسيا ومعمرى أرض (أينما قطنوا). المشاهد تذكرنا بإيقاع أيام رفع العلم فى بلادنا حيث جرت الامال بلاحدود ، الحرية كاملة والارض بكرة ومليون ميل . ما تحقق ملموس ومعترف به يدل عليه صداه على ألسنة الناس وأثره على الارض يدل على تميز من ارتبطوا به . الامثلة عديدة أمام الأجيال ليأخذوا بأحسنها ويمضون الى المزيد برغم وبرغم . ان المراجعة ومقاومة التكرار و وتجنب المقلدين قضية ملحة اليوم وبلادنا تنزع للتغيير والتحديث وادراك المقاصد الجديدة والمؤجلة فى عالم يجدد ثيابه كل يوم ويحاول ان يستعصم بقيم المشاركة والتنوع والاضافة والبحث عن فضاءات بكرة صالحة للتنفس . هل نحتاج لملتقى لاهل السودان يجدد الافكار البناءة والنفوس المرهقة ؟ لنبدأ بالبيت والمدرسة والجامعة والاعلام الذى إختار الصدارة وأهلته التكنولوجيا لتحمل مسؤولية تنقية الفضاء لا تعكيره . وللخواطر بقية . مذيع ومهندس .. تجربة جديرة بالتكريم ارسلت تهنئة لفريق اكتشاف جزر القمر إعلاميا ، فقط مصور ومذيع ومخرج هو شكر الله خلف الله هزموا حكاية التمويل حين يتعزز أمام ما يستحق المجازفة . المذيع ذكرنى (عبد القيوم خضر) والده ، مهندس التشغيل الذى لازم دواخل التلفزيون منذ ميلاده ليذهب الى اهله الآن بكل خبرته تاركا وراءه ثروة من المهنية الرفيعة وهذا الشبل الموهوب . عبدالقيوم واترابه صناع ذهبية التلفزيون اكرمهم الله جديرون بفتح ابوب التكريم على مصراعيها . معلمون ومعلمات .. نسخ أصلية الكبير هو الكبير) وان جارت الأيام و(البحر هو البحر) لا يكترث مهما نلت منه و(اللانهاية هى اللانهاية) فى علم الرياضيات . خرجت بهذه الخلاصات المتشابهة فى يوم واحد من ثلاثة برامج اجبرتنى لمشاهدتها ، إحداها حصة مدرسية بالتلفزيون تثير العجب فهذه نسخة أصلية (للمعلم) متبقية من عصر (بخت الرضا) . ليتنا نعثرعلى نسخة مثلها من السكة حديد ومشروع الجزيرة وخورطقت ومستشفى النهر لنقيس عليها الاصلاح الادارى المنشود لا زال .