كنا أربعة شباب حينها عندما اختارنا المؤلف المخرج الراحل حسن عبد المجيد لنتقاسم بطولة مسرحيته «الرفض»، مع العملاقة تحية زروق- ومحمد علي عبد الحميد- ونجم الكوميديا حينها الممثل الطيب محمد الطيب- والراحل حسن عبد المجيد. كانت المسرحية في الموسم الرابع لمسرح المحترفين بالسودان في بدايات سبعينيات القرن العشرين، وكانت مغامرة من المخرج حسن عبد المجيد لأننا كنا في بدايات مشوارنا مع المسرح، وكنا ما نزال في مقاعد الدراسة، أحمد إسماعيل في الجامعة الإسلامية، وأنا وعبد الواحد عبد الله، وعثمان علي الفكي في معهد الموسيقى والمسرح، ومعنا الممثلة القديرة منى عبد الرحيم، وكانت حينها لا تزال مثلنا طالبة في معهد الموسيقى والمسرح. ناقشت المسرحية حركة الرفض وظاهرة الهيبيز التي اكتسحت العالم حينها، من خلال تأثر الشباب والشابات بالموضة، وكانت تناقش ظاهرة تعاطي الشباب للمخدرات من خلال آثار المخدرات على الشباب دون أن يظهر ممثل واحد على خشبة المسرح وهو يمارس التعاطي، فالفن تلميح وليس تصريحاً. كنت أمثل دور الشاب المتأثر بالموضة من خلال قريبه «الممثل عبد الواحد عبد الله»، وكانت لنا حوارات وسجالات وحركات على خشبة المسرح، اقتنع الجمهور من خلالها أننا دون شك لنا باع طويل في مسألة المخدرات هذه. وفي ذات يوم فوجئت بواحد من الجمهور في انتظارنا بعد نهاية المسرحية، لينتحي بي جانباً ويسألني جاداً «القوية دي جبتوها من وين؟». كانت مفاجأة لنا جميعاً، لأنني والحمد لله وطوال حياتي لم يلعب برأسي سوى الحلاق والشاي السادة.. هذه الحادثة وجدت طريقها إلى الصحف حينها، وقد ذكرها الدكتور زكي في إحدى الصحف في السنين الأخيرة، وظلت الصحف والمجلات ولشهور طويلة تكتب عن مسرحية الرفض بين مادح وقادح، وقد كتب صلاح عبد الرازق في مجلة الإذاعة والتلفزيون حينها عن حركة الكوميديا الجديدة التي أرستها مسرحية الرفض وسمَّاها مدرسة الهلا لزم. هذا كان زمان اهتمام الصحف والمجلات وكل وسائط الإعلام بالمسرح.. فقد كانت السلطة الرابعة تهتم بالمسرح فما كان من المسؤولين إلا الاهتمام به، لأن للسلطة الرابعة سطوتها منذ قديم الزمان، والسودان ليس استثناءً في هذا الأمر والدلائل كثيرة. أثر السلطة الرابعة على السودان والسودانيين كبير، والمتتبع لتاريخ السودان الثقافي- منذ بدايات نهضته الثقافية والاجتماعية- يدرك هذا الأثر، ويكفي حي الصحافة الكبير بالخرطوم دليلاً على هذا الأثر، فقد اهتمت الصحافة بالأسر التي بلا مأوى وسكن حينها، وتابعت الأمر على صدر صفحاتها إلى أن تم توزيع الأراضي للمستحقين، فكان حي الصحافة تخليداً للصحافة وللسلطة الرابعة. هذا المدخل الطويل سببه ما لمسته من أثر السلطة الرابعة على السودانيين هذه الأيام، فحتى في الرياضة عندما تختلف آراء المشاهدين يحتكمون إلى الصحف الرياضية، بينما هم يشاهدون المباراة أمامهم. هذا الاهتمام بما يكتبه الكُتّاب في الصحف لفت انتباهي إلى أهمية التواصل مع السودانيين عبر الصحافة.. ولهذا، وعندما أبدى لي الأستاذ مصطفى أبو العزائم رغبته في أن اتعاون معه مشاركاً بعمود في آخر لحظة، انتابتني فرحة غامرة، فأبو العزائم من زملاء الأيام التي لها إيقاع، وصحيفة «آخر لحظة» من الصحف الجادة المقروءة، ولهذا كانت زيارتي لدار الصحيفة ولمصطفى أبو العزائم، وكانت موافقتي للكتابة، مسنوداً بخبراتي ودراساتي في المسرح والسينما والموسيقى والفنون التشكيلية،، ولا ضرر إن عرجت قليلاً إلى الرياضة والسياسة أحياناً.