وما زلت مشدوداً إلى تلك الحلقة.. بل اللقاء الرفيع.. الذي قاده الصديق البديع الطاهر حسن التوم مع السيد رئيس الجمهورية.. وما زلت في مربعات التساؤل.. حتى يشفي غليلي وحتى «ترقد روحي».. وبما أن الرئيس قد أطل على المواطنين من على شاشة الفضائيات.. دعوني أكون «طماعاً» لأخاطبه عبر الصحف.. فأنا مواطن.. مهما كان موقعي من خارطة السياسة.. وجداول الانتماء.. لي مطلق الحرية في إبداء رأيي.. ولي مطلق الحرية في السؤال والتساؤل.. متى ما كان ذلك في حروف نظيفة.. مهذبة ومحترمة.. إن لم تكن أنيقة وبهية ومترفة. بدت قسمات الغضب.. أو تسللت تلك القسمات إلى وجه الرئيس عندما كان الحديث عن مذكرة الألف.. لم يكتفِ السيد الرئيس فقط بإظهار غضبه.. بل وعد أو توعد الموقعين بالمحاسبة.. وهنا فقط أود أن «أدخل خشمي».. لأقول.. أولاً.. سيدي الرئيس إن هذه المذكرة تحدثت عن عصب.. بل قلب وكبد شؤون الحكم والرعية.. تحدثت عن كل الذي نتحدث به نحن في «ونساتنا» و«قطيعتنا» في كل تجمع أو حافلة.. أو صالون أفراح أو خيمة عزاء.. أعجبتني لجرأتها ومحاولتها الباسلة لتقويم الإعوجاج في كل مفاصل الدولة.. ولو عرضت على شخصي.. لوقعت بلا تحفظ ولا تردد رغم أني لست «أخ».. بل كنت سأوقع رغم أن صدرها أو أول كلماتها.. لا توافقني.. ولا تعبر عن أي مواطن يقف في الضفة الأخرى للإنقاذ.. وحتى أكون أكثر وضوحاً.. كنت سأعترض على الفقرة التي تقول.. «إن الانقلاب» هو خطوة مبرورة.. والانقلاب في أي بقعة من العالم هو خطوة غير مبروكة وأنتم أنفسكم قد أعلنتم أن ضرورة قصوى قادتكم إلى تلك الخطوة.. لا يهم.. المهم ماذا في المذكرة إذا كشفت لكم بباهر المصابيح.. تلك البقع أو الهوات العميقة حتى تقوموا بردمها.. وماذا في المذكرة إذا وهبتكم النصح بمنعرج اللوى.. خوفاً عليكم من استبانة ذاك النصح ضحى الغد.. إن الوعيد بالمحاسبة.. يوصد الأبواب بالغليظ من الرتاج.. أمام أي مخلص حادب مشفق على الوطن من الجهر برأيه.. في ظل التعرض للمساءلة والمحاسبة.. أما إذا رأى سيادتكم.. أن هذه المذكرة خروج على المؤسسية.. أو هي رمي من خارج الأسوار.. دعوها.. بل اعتبروها من مواطنين سودانيين من خارج عضوية المؤتمر الوطني.. واعتبروني موقعاً.. وسوف أجيء إليكم بتسعمائة تسعة وتسعين موقعاً من غير «الأخوان».. فقط نحن ننشد الإصلاح ما أمكننا ذلك.. هذا أولاً.. أما ثانياً فهو أنني أريد اهتبال هذه السانحة.. وهي مخاطبة السيد رئيس الجمهورية لأقول.. أعجبني وأطربني وأبهجني.. حديث السيد رئيس الجمهورية الأخير وهو يخاطب قيادات الخدمة المدنية عندما قال.. لا تمكين ولا تسييس أو تطهير في الخدمة المدنية مستقبلاً.. أو «من هنا ولي قدام».. نعم هذا قرار صائب.. وقول رائع.. كنا ننتظره لسنوات وسنين عدداً.. ونزيد كيل بعير لنقول.. إن هذه العناصر الثلاثة.. التمكين.. والتسييس والتطهير هي تلك النصال التي أدمت.. بل نحرت رصانة وكفاءة وجدارة الخدمة المدنية.. صار جيش من الموظفين يحتل غير مكانه.. اضطرب دولاب الخدمة المدنية.. فتثاقلت خطواتها وتعثرت.. واستقبل الشارع العريض.. سيلاً من البشر.. سالت دماؤهم من مدية الصالح العام بلا ذنب ولا جريرة غير أنهم ليسوا من الأحباب والأخوان.. لذا كان الاحتفاء.. بل الاحتفال بشطب هذه العوامل الثلاثة من التوظيف.. ولكن ماذا عن الذين تسنموا أو تملكوا مناصب لا يستحقونها.. وليسوا جديرين بها.. إن هذا القرار لن يكون مكتملاً.. فاعلاً.. إلا إذا تبعه قرار آخر هو التطهير العكسي.. نعم على الدولة.. أن تراجع كل حالة تسللت إلى دولاب الخدمة المدنية تحت رايات التمكين والتسييس والتطهير.. بل نأمل في الاستجابة الفورية لهتافنا.. التطهير واجب وطني.. تطهير الخدمة المدنية من هؤلاء.. «وكفاية عليهم» عقدان من الزمان وزيادة.