عندما أقيمت جامعة الدول العربية 1945 لم يكن عدد الدول العربية المستقلة يتجاوز أصابع اليد الواحدة وقد كان قيامها مهماً بكل المقاييس، ويكفي أنها جامعة للدول العربية بكل ما يحمل الاسم من أمل.. والمعني من تطلعات مشروعة لشعوب هذه المنطقة في الوحدة والحرية والاستقلال.. ومن ثم في التعاون الدولي والإقليمي الفعال لإنماء هذه البلاد وتحقيق طموحاتها وتطلعاتها المشروعة في عالم ما بعد الحرب.. وظلت الجامعة تسير على هذه الوتيرة.. ولم تخدم كبير دور في قضايا أمتها العربية وإن صممت في بعض هياكلها ما يشابه المنظمة الدولية الكبيرة بإنشاء مكاتب ووكالات تعنى بفروع واهتمامات مختلفة كالثقافة والعلوم والتربية ومكاتب متخصصة لمكافحة المخدرات وغير ذلك من الفروع.. ولكن ضعف الجامعة سُد فراغه منذ ستينيات القرن الماضي ببزوغ فكرة مؤتمرات القمة العربية وبعد ذلك نشوء بعض المجالس المهمة لمجالس وزراء الداخلية العرب، ثم بروز تنظيمات ثقافية عربية كبيرة في بعض العواصم العربية. عيب الجامعة ليس فيها، ولكن في ميثاقها القديم المتواضع الذي لم يعد يلائم متطلبات العصر.. والعيب ليس عيب الفكرة أو الاسم حتى يطالب البعض بتجاوزه وتغييره.. فحتى الاسم له هيبته وله رهبته وله مكانته في التاريخ العربي وفي الوجدان العربي.. فليس الهدف استهدافه والقضاء عليه- فهذه رؤية مدمرة- ولكن ليكون الهدف تطوير المنظمة وتعديل الميثاق بحيث يلبي أشواق أقطارنا العربية وفق ما جرت عليه نواميس وخطوات الاتحاد الأوربي الذي بدأ خطواته بالسوق الأوربية المشتركة في منتصف الستينيات، ثم توج نشاطاته بعد خمسة عقود في دافوس ليضع دستوراً مشتركاً واحداً لكل الدول الأوربية، فالأوربيون لم ينشغلوا بالأسماء وتغييرها، بل انشغلوا بالأهداف وتحقيقها.