نُسب إلى السيد عبدالرحمن عزّام أول أمين عام لجامعة الدول العربية قوله رداً على منتقدي أداء الجامعة وأمانتها العامة، «الجامعة العربية مرآة وعندما تنظر فيها فلا تتوقع أن تجد إنجلترا وفرنسا وألمانيا، لكنك سوف تجد اليمن ولبنان والأردن، وأيضاً فإنك عندما تنظر في هذه المرآة التي هي الجامعة العربية فإنك لن ترى تشرشل وديجول واديناور لكنك سوف ترى الإمام أحمد وكميل شمعون ووصفي التل». وهو وصف موجع لاذع وصف به الأمين العام الراحل الجامعة التي يقودها لكنه وصف حقيقي صادق، فالجامعة التي تأسست عام 1945م كانت وما تزال انعكاساً للواقع العربي الرسمي. وكانت الدول العربية عندما أُنشئت الجامعة تُعد على أصابع اليدين ومازال واقعها الآن وعدد أعضائها أكثر من عشرين هو نفس ذلك الواقع القديم وربما كان أضعف وأسوأ. فالحكومات العربية جميعاً رغم الاستقلال لم تستطع بعد أن تحقق ولو النذر اليسير مما تبتغيه وتتطلع إليه الشعوب العربية. وحتى هذا الاستقلال الذي تحقق فإنه شُرِخ عدة مرات ونذكر من هذه الشروخ الاحتلال الأمريكي للعراق الذي حدث عام 2003م ومازال مستمراً حتى الآن، وتقسيم السودان إلى دولتين...والخ. وما لم يتغير هذا الواقع العربي الرسمي الضعيف المشروخ، فإنه لا أمل أبداً في أن تتغير الجامعة العربية إلى الأحسن والأفضل. ومن التكرار أن نقول إن ميثاق الجامعة نفسه يحول بين الجامعة وبين الاضطلاع بالدور المنشود. وكنا قد انضممنا للجامعة العربية عام 1956م أي في نفس عام الاستقلال وسوف تستمر عضوية السودان الشمالي بعد التقسيم رغم أن هناك من يرون أننا لم نجن شيئاً من هذا الانضمام إلا أنه يُرد عليهم بأننا أيضاً لم نخسر شيئاً بهذا الانضمام، بل إن مبررات استمرار بقاء السودان الشمالي عضواً في الجامعة العربية أقوى من مبررات انضمامه إليها في الخمسينات أيام كان موحّداً. ففي ذلك الوقت كان هناك الجنوب وهو ليس عربياً بالمرة سواء من الناحية العرقية أم الناحية الثقافية. وقلنا أكثر من مرة إن السودان الشمالي ليس عربياً كله، لكن العروبة الثقافية أصبحت فيه أكثر انتشاراً مما يجعل بقاؤه عضواً في الجامعة محتملاً حتى من جانب الناطقين بغيرها داخل السودان الشمالي. ومثل الجامعة العربية المنظمات الإقليمية الأخرى ومنها الاتحاد الإفريقي، فإذا كان صحيحاً إننا لم نجنِ شيئاً من استمرارنا في الاتحاد الإفريقي الذي كان اسمه (منظمة الوحدة الإفريقية) وكنا من مؤسسيها عام 1963م فإننا لم نخسر شيئاً بذلك الانضمام. إذن.. تستمر عضويتنا في هذه المنظمات العاجزة إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.