مرقس الليبي: كان مرقس رسول المسيحية يهودياً من سبط لاوي، وهو في نفس الوقت ولد في إقليم أفريقي، إنه من مواليد سيرين أو كيرين وهي القيروان Cyrene وهي إحدى المدن الغربية الخمس، ويقول المؤرخ ساويرس بن المقفع أنه ولد بالتحديد في بلدة تدعى إبرياتولس، أو إدرنا بوليس، وهي مدينة درنة الحالية، وكان مرقس يحمل إسمين أولهما مرقس وثانيهما يوحنا، وقال عنه الكتاب المقدس يوحنا الملقب مرقس، وأحياناً مرقس الملقب يوحنا. وقد نشأ في أسرة متدينة ذات اتصال وتوادد مع السيد المسيح، فأمه مريم إحدى المريمات اللائي تبعن المسيح، وإحدى المريمات اللائي ذهبن إلى القبر، وقد فتحت بيتها وقلبها للسيد المسيح، وللتلاميذ، وكان بيتها أول كنيسة مسيحية بعد القيامة يجتمع فيها تلاميذ المسيح.. أما أبو مرقس فهو ابن عم زوجة بطرس أحد الاثني عشر، وللقديس مرقس علاقة بالقديس بَرْنَابَا، وقال عنه بولس الرسول إنه إبن أخت بَرْنَابَا، ويقولون أيضاً أنه قريب توما الرسول، وكل هذا يعني على كل حال أنه نشأ في وسط متدين، وولد من أبوين عاشا حياة التقوى، وأرجو أن نلاحظ أن بَرْنَابَا هذا برئ كل البراءة مما يدعي إنجيل بَرْنَابَا، فلقد كان بَرْنَابَا فصيحاً ومقتدراً في الكلام، بينما إنجيل بَرْنَابَا يرتبك كثيراً في مواقفه وتعبيراته، وبَرْنَابَا من أول من تتلمذوا ليسوع، وباع كل ممتلكاته، ووضعها عند أقدام الرسل، وكان مختاراً من الروح القدس بحسب سفر الأعمال: «أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ»،أي أنه من القرن الأول، بينما إنجيل برنابا المزيف مكتوب في القرن الخامس عشر كما تشير تعبيراته وصفحات أوراقه. لقد كان مرقس الليبي هذا مثقفاً ثقافة عالية، فلقد ولد في أسرة غنية أحسنت تثقيفه، وكان الأب يعمل بالزراعة في أرض ليبيا الخضراء، وكان مرقس يعرف من اللغات العبرية واليونانية واللاتينية، وكان لمعرفته هذه صاحب فهم واسع، ولا مانع أن يكون مترجماً مدققاً لكثيرين من بينهم بطرس الرسول. واضطرت أسرته اليهودية أن تهاجر من ليبيا بعد هجوم بربري عليها، وكان ذلك في عهد أوغسطس قيصر، الذي ولد السيد المسيح في عهده، وجاءت الأسرة إلى فلسطين واستقرت عندما بدأ خدمته المقدسة، وصار واحداً من تلاميذ المسيح، وقد حضر مع السيد المسيح عرس قانا الجليل، وكما يقول ابن كبر استقى من الماء المتحول خمراً. مفتاح البندقية: لقد بلغت شهرة مرقس كل الآفاق، إنه ذهب إلى روما وصار معروفاً هناك، وبعد شهادته واستشهاده أخذ البنادقة جسده إلى هناك، وبنوا له كنيسة كبيرة أنيقة وجميلة، ويقول التقليد في البندقية أنه بشرهم هناك ثم ذهب إلى الخمس مدن الغربية، وإذا كان قد ذهب إلى إيطاليا وبشر مع بولس فلا مانع أن يكون قد ذهب إلى البندقية من هناك، بل إن أكويلا وهي من أعمال البندقية تؤكد أنه بشرها بالمسيحية كما جاء في حوليات الكاردنيال بارويفوس، وهناك آثار عظيمة لكرازته في إيطاليا، ولقد اعترف الإيطاليون بفضله، ولكن زراعته المثمرة كانت كنيسة الأسكندرية التي بشر في شوارعها، وسفك دمه على أرضها، ودفن في كنيسة بوكاليا بالإسكندرية. ويذكر أهل البندقية أن مرقس بينما كان يبشر علي شواطئ الأدرياتيك، هبت عاصفة عاتية جرفت مركبه إلى شواطئ الجزر، والبحيرات القليلة الماء، وهنا ظهر لمرقس الرسول ملاك سماوي قائلاً: في هذا المكان ستنشأ مدينة كبيرة باسمك، وقد تحققت نبوة الرؤيا بعد 400 سنة، عندما لجأ بعض سكان إيطاليا إلى هذه الجزر، وأسسوا مدينة البندقية، التي اختارته حامياً لها وشفيعاً، مثلما اختارت بريطانيا قديساً فلسطينياً من مواليد اللد بالشام هو مارجرجس حامياً للجزر البريطانية. ورمز مدينة البندقية الآن هو أسد مارمرقس، وهو أسد مجنح، وإقامة جناحين للأسد فكرة فرعونية، وتأثر بها ملاخي وتحدث عن الشمس المجنحة، باعتبار الأسد والشمس كائنات روحية ذات أجنحة سماوية، وقال ملاخي: وَلَكُمْ أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ اسْمِي تُشْرِقُ شَمْسُ الْبِرِّ وَالشِّفَاءُ فِي أَجْنِحَتِهَا(ملاخي2:4). ويحكي أهل البندقية عن غياب مفتاح مدينة البندقية، وعن أن مرقس قدمه إلى قائد مركب، وظن البحار قائد المركب أنه في حلم أو رؤيا، ولكنه لمس الخاتم وتولته الفرحة والدهشة، ففي يده فعلاً مفتاح أخذه وسلمه للحاكم بحسب أوامر مرقس الذي عرفه بنفسه، وفرح حاكم البندقية بهذا وتم تسجيل القصة في لوحة فنية رائعة كانت موقعاً للاهتمام، حتى أن نابليون نقلها إلى باريس عندما غزا إيطاليا، ولكن إيطاليا أرجعتها إلى موقعها ثانية. ويروي أهل البندقية أن ثلاثة رجال، طلبوا وهم على الشاطئ أن يبحروا مع البحار وفي مركبه، وكان أحدهم مهيب الطلعة، سماوي التطلع، ومعه اثنان بلباس الجندية مدججين بالسلاح، وبعدما ركبوا القارب، وابتعد عن الشاطئ، هاج البحر وماج، وظهرت أشباح مخيفة أرعبت البحار، وصلى أحد الرجال الثلاثة متطلعاً نحو السماء، وأشهر الأثنان سلاحهم وسرعان ما هدأ البحر، وكان الرجل المهيب هو مرقس الذي قال للبحار إنه جاء ليحارب الشيطان لأن البندقية عاشت الرذيلة والغواية، وأنه أتى لأجل توبتها، وهو الذي سلم المفتاح.