محاور العنصر النسائي في المؤتمر الشعبي تبدو مهمة هذه الأيام أقلها جملة الفتاوى التي أطلقها الأمين العام للحزب، وكلها محورها المرأة، حيث أفتى بصحة زواج المسلمة من مسيحي وإن المرأة يمكن أن تؤم الرجال في الصلاة، الأمر الذي لفت الانتباه والتساؤل عما إذا كان هذا رأي الحزب حول المرأة ورفع مكانتها والتأكيد على أن هذا رأي الدين، هذه الأسئلة حملناها للدكتورة نجوى عبد اللطيف وهي من اللائي انتسبن للحركة الإسلامية قبل وصولها للسلطة، وذلك في 1984م، والآن هي أمينة نساء المؤتمر الشعبي، لذلك كان لدينا أكثر من دافع حول معرفة آرائها حول هذا الصراع بين العلماء وفتاوى الترابي التي يراها البعض غريبة وقبوله وساطة يسارية وعلاقته بحركة خليل، في كل إجاباتها كانت بعيدة عن أية محاذير، حريصة على أية اعتبارات دبلوماسية، إفادات لا تعرف المراوغة السياسية، فإلى الحوار: هل كنت أنت بالذات ضمن الفريق الذي انشق عن المؤتمر الوطني؟ - أولاً أنا أنتمي للحركة الإسلامية منذ الثمانينيات، وكنت عضواً منظماً مؤسساً للمؤتمر الشعبي، وواحدة من المائة شخص الذين سجلوا المؤتمر الشعبي لدى مسجل التنظيمات السياسية، الأمر الذي جعلني شاهد عيان على كل الأحداث وحيثيات المفاصلة التي كانت بداياتها مبكرة قبل تاريخ إعلان المفاصلة بفترة ليست قصيرة، الصراعات بدأت في نهاية التسعينيات ولكن كانت هناك محاولات للمعالجة الداخلية، وعندما فشلت تم إعلان الكيان الجديد وهو المؤتمر الشعبي الذي تمسك بمبدأ رفض الحكم العسكري الذي أصر عليه المؤتمر الوطني على الرغم من أن الإنقاذ عندما جاءت في 1989م، كان التخطيط أنه في 1994م تتخلى الإنقاذ عن الصفة العسكرية وتبدأ انتخابات مفتوحة لرئاسة الجمهورية، وأقسمت الإنقاذ على ذلك، والشيخ الترابي عندما وافق على الانقلاب العسكري كان من باب الضرورة التي أباحها فقه الضرورة، فقد أراد بها فقط أن ينقل السودان من مرحلة لمرحلة. أنا فاصلت عن قناعة لا زالت راسخة حتى الآن، وهي ليست قناعة في شخص الترابي لكنها قناعة عقائدية فكرية، ومفاهيم الحركة الإسلامية التي انطلقنا منها وعض عليها الترابي بالنواجذ والآن أحد الأكاذيب التي تذيعها السلطة الحاكمة أن المفاصلة جاءت نتيجة هيمنة الترابي وسيطرته على الحكومة، لكن الترابي قبل المفاصلة لم يكن مؤيداً للقبضة التنظيمية للحكومة. ما رأيك في الفتاوى التي أطلقها الترابي حول المرأة والتي أثارت جدلاً واسعاً، وقادت البعض إلى اتهامه بالكفر؟ - الفتاوى الفكرية في شأن المرأة قديمة ويفتيها الشيخ في حدث معين، فمثلاً الفتوى في شأن زواج المسيحي من المسلمة في نهاية السبعينيات اعترض عليها علماء من ضمنهم القرضاوي، ثم عاد الذين اعترضوا بعد عشر سنوات وأقروا بأن هذه الفتوى صحيحة، الفتوى فيها نوع من الاجتهاد، فمثلاً في إحدى الدول الأوربية «إذا أسلمت الزوجة، فلماذا تهد الأسرة بمفارقة الزوج المسيحي لا يوجد مبرر»، ولم يرد في القرآن الكريم دليل أو آية تحرم زواج المسيحي، والآية التي تحرم زواج المشرك «ولأمة مسلمة خير من مشركة ولعبد مؤمن خير من مشرك» حرمت الزواج من الجانبين، فلماذا لم يحرم هؤلاء العلماء الذين عاملوا الكتابي معاملة المشرك زواج الكتابية من المسلم. أما إمامة المرأة للصلاة الشيخ أُستشير من قبل امرأة أمريكية مسلمة في منطقة من المناطق، ولأن أهم شيء مطلوب في إمامة الصلاة أن تكون أكثر فقهاً لا حفظاً، وهذه الأمريكية كانت أكثر فقهاً وأقدم إسلاماً، وفي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حديث أم ورقة أنها كانت تؤم أهل دارها «وعندها مؤذن»، ولا نطالب بأن تقتحم النساء المساجد وتؤم المساجد إلا إذا حدثت الضرورة، وحديث السلفيين أن المرأة عورة لماذا لا نضع حاجزاً بينها والرجال الذين تؤمهم ولكن لا يمكن أن أمنعها من الصلاة حتى لا ينكشف شيء من جسدها، ولا أدري لماذا يُثار كل هذا الجدل حول إمامة المرأة، فليس هناك ما يمنع المتفقهة من إمامة الصلاة، ولماذا لم يتحدثوا عن النظام وظلمه وأصبح الدين موجهاً نحو التدين الشخصي. أما تكفير الترابي، فهذا مراراً وتكراراً، وعلى الشخص الذي يكفر أن يتحفظ، لأن من كفر مسلماً فقد كفر، وليس من حق أي شخص تكفير آخر بسبب فتوى أو عصيان، وكلما أفتى الترابي أثير هذا الجدل، على هؤلاء العلماء أن يعلموا أن الجهل بالشيء ليس عيباً، ولكن مجالس الفتاوى هنا في السودان أصبح لديها مهمتان فقط، هما تكفير «الناس» وإعلان شهر رمضان والعيد، أين كانوا علماء السلطان هؤلاء عندما انفصل الجنوب وتخلينا عن شعب الجنوب الذي كان في احتياج للرعاية والحماية والأسلمة، لماذا لم يكفر علماء السلطان الذين «يطبلون» للنظام باسم الدين ولماذا لم يكفرون الذين قتلوا الآلاف في دارفور، وأعتقد أن هذا التكفير من باب «الحرق السياسي». هل يستشيركم الترابي في الفتاوى الخاصة بالمرأة؟ - ليس هناك رجوع آلي، لأن الترابي هو أعلم وأرفع رتبة في العلم منا، وهذا لا يمنع أنه لدينا لقاءات واجتماعات تخرج منها فتاوى، والترابي يفتي كمفكر إسلامي وليس أميناً عاماً للحزب. إذن الترابي كمفكر إسلامي، كيف ترين قبول الترابي والمهدي وساطة يسارية في المصالحة مع الصادق المهدي؟ - أعتقد أن هذه الوساطة اليسارية لا تقلل من شأن الترابي والصادق كما حاولت الساحة السياسية بالطرق على هذا الموضوع من باب التقليل من شأن الترابي والمهدي، شيخ حسن لم يقبل وساطة هالة في أمر يتعلق بالدين، الانفعال بالحدث أخذ اتجاهين، الأول هو اتجاه سياسيين أرادوا أن يضعفوا المعارضة، وأما الاتجاه الثاني فهم تقليديون تخلفوا عن الركب ويرون أن شيخ حسن والإمام الصادق كان ينبغي عليهما ألا يقبلا بوساطة امرأة يسارية، ولكن هل الترابي غيرته على الإسلام أكبر من غيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أضطر في وقت من الأوقات أن يبرم اتفاقية مع اليهود استفاد منها المسلمون بعد ذلك، هالة إن كانت تنادي بالعلمانية فهي في تدينها الخاص ملتزمة، والفرق بيننا أننا لا نبعد الدين عن الحكم، ونجعل الدين شاملاً، هالة امرأة سودانية أصيلة ولا غضاضة في ذلك، ونحن الآن يمكن أن نتحد مع الشيوعيين لأجل الهدف المشترك وهو الاتفاق على فساد النظام، نحن والشيوعيون ضد العنصرية التي رسَّخت لها الإنقاذ «حتى على مستوى المستندات الرسمية، فهي تسأل عن القبيلة»، وجلسنا جلسات كثيرة مع أحزاب يسارية وهي أحزاب تنادي بمباديء وطنية تطالب بالحريات، رفع القبضة عن الشعب، تكريم كرامة الإنسان في السودان، تريد اقتصاداً قوياً وكلها أجندة نتفق معهم فيها، نحن الآن في مرحلة التخلص من حكم قابض وهو ما يتفق عليه الآن الترابي ونقد والصادق وهالة، لسنا في مرحلة من يحكم السودان الإسلام أم العلمانية، ذلك لأنه عندما يذهب هذا النظام وتشيع الحرية والديمقراطية ستكون هناك انتخابات حرة، الشعب السوداني هو من يختار ثم إن بروز الإسلاميين في الدول العربية لم يمنع بروز شخصيات يسارية. تتوقعين أن تعود المخاشنات بين الترابي والصادق، أم استمرارية الاتفاق؟ - من الممكن أن تعود المخاشنات بين الترابي والصادق، ولو رجعت لتاريخ السودان منذ المصالحة الوطنية لتأكدت من ذلك، والسبب أن المؤتمر الشعبي حزب حركة إسلامية «حزب إسلامي»، أما حزب الأمة فهو حزب مسنود من طائفة الأنصار، وهذا اختلاف كامل، فعودة «المشاكسة» هي تدافع سياسي طبيعي ولكن يجب أن تبعد «المشاكسة» بين القطبين الكبيرين عن الأشياء الشخصية، لأن كلاً منهما يقود طائفة تمثل الشعب السوداني، وأن يرتقي أسلوب «المشاكسة» وقد يلتقوا في نقطة ويختلفوا في أخرى، ولكن هذا لا ينقص من اجتهاد هالة حالة عودة «المشاكسة». قلت إنه قد تعود الصراعات ويلتقوا في نقطة ويختلفوا في أخرى، في تقديرك ما هي نقطة الاختلاف هذه؟ - كل واحد منهم يرى أن تحقيق الهدف وهو إسقاط النظام، يتم بطريقته، فهناك من يستعجل الوصول، وهناك من رأى إدخال أحد أبنائه للسلطة، لأن في اعتقاده أن هذا الطريق الصحيح للوصول للهدف.