يظل «وردي» في خاطرنا الجمعي عصياً على النسيان والتجاوز.. تلك القامة الفنية السامقة في كبرياء يمليه جلال ما قدم للوجدان السوداني.. وتلازمني له حالات إنسانية منفعلة مع مفاصل حياتي الطفولية إلى المراهقة والعقلانية.. ويلازمني تذكار أول خطاب غرامي يصلني في حياتي وأنا استحي من نفسي أن أجرؤ على فتحه ولكن الفضول وحب اكتشاف العوالم الجديدة يدعوني لذلك، فأتفاجأ باختصار الراسل لكل ما يريد أن يُعبِّر عنه في أغنية جميلة ل«وردي والحلنقي» احتفظ لنفسي بترديدها كلما تذكرت تلك الأيام الطفولية على الأعتاب.. فلم أجد بداً حينها من زجر الراسل مع الاحتفاظ بكلمات تلك الأغنية في خاطري حتَّى الآن ولسان حالي «يا له من مكار وداهية عرف كيف يختط في دواخلي تذكار أرساله لذلك الخطاب».. وتمضي الأيام وتتفتق فينا بعض الأحاسيس بالشأن العام فنجد في خيارات وردي «أصبح الصبح.. ويا شعباً لهبك ثوريتك.. وأكتوبر الأخضر.. و.. وألخ»، فيحرِّك فينا الأحاسيس الوطنية مطلع كل ذكرى للاستقلال «اليوم نرفع راية استقلالنا..» ونظل نرفع روحنا الوطنية مع تداعيات أحداث الوطن الجسام و«وردي» فيها الباعث والملهب للحماس «بلا وانجلى».. وإن أنسى لا أنسى ذلك الاحتفال الذي ردد فيه «وردي» «في حضرة جلالك يطيب الجلوس مهذب أمامك يكون الكلام.. لأنك محنك عميق المهابة عميق الدروس.. شبابك تشابك شديد الزحام..» لأبي قطاطي.. فألهب حماس الحضور بالمسرح وانفعلنا كما لم ننفعل من قبل لأنه كان قادراً على مس أوتار الشجن والوطن فيما يشبه الحراك الانفعالي الصادق، ألا رحم الله «وردي» الذي أطرب وأزكى وعمق فينا أدبيات مكنته من انتزاع المكانة السامية كفنان للقارة السمراء.. فلتبكي العين نور العين.. ولو كنا بكينا على الصورة.. سامح دمعتنا المعذورة يا غنوتنا ويا بهجتنا ويا مرسى عيوننا المبهورة.. ما نحن بطبعنا ناس طيبين غلطاتك عندنا مغفورة. آخر الكلام ويبقى وردي الذي أطربنا وحببنا في التفاعل مع أحداث وطننا.. لأنه تغنى «وطنا باسمك كتبنا ورطنا.. أحبك.. أحبك..» مع محبتي للجميع..