تتشابك دروب الحياة ، تزهو أقمار تتسلق عصب الذائقة وتشكل وجدان أمة ،وفجأة ترحل هذه الأقمار إلى الضفة الأخرى مخلفة وراءها إرثا من الإبداع يظل نابضا كما الهواء يتنفسه الناس ، في كل لحظة من حياتهم ، هكذا كان العملاق الراحل محمد وردي رحمه الله شامخا في فنه وفي معطياته الحياتية كافة ، فمن عمق الشمال صوارده حيث البدايات إلى كافة أنحاء الوطن ، حواضر ، بوادي ، قرى ، صحارى وغابات شكل محمد عثمان وردي ذائقة الملايين جيلا بعد الآخر ، وتعدت شهرته حدود الوطن إلى دول غربي وجنوبي القارة السمراء فحمل لقب فنان إفريقيا الأول بلا منازع . أذكر البارحة الأولى كنت أعمل ضمن وردية الليل في مهنة المتاعب ، فجاءتني اتصالات من زميلي رحلة العمل النهارية ، عبد الله عباس ومختار العوض ، وثمة رسائل واتصالات كثيرة من السودان والخليج تنعي الراحل الكبير محمد وردي ، رسائل ومكالمات مغموسة بالدموع حزنا على الراحل الكبير ،لحظتها فتحت أمامي شريط وكالة الأنباء الفرنسية علني أجد خبر نعي الراحل الكبير ولم أجد غير أخبار الدماء التي تهطل في سوريا ، وسلسة من أخبار سوداء اعتادت عليها العيون ، للأسف وكالة الأنباء الفرنسية لا ادري إن كان لها مراسل في السودان أم لا ،لكن من المعروف متابعتها لأخبار النجوم والمشاهير على امتداد العالم لكنها غابت للأسف عن وفاة العملاق الكبير ، قلت أجرب المحطات السودانية ، للأسف كانت الشروق التي تحمل شعار شمس السودان التي لا تغيب تبث برنامجا محنطا لا يودي ولا يجيب ، فيما كان تلفزيوننا القومي بسلامته هو الآخر يبث برنامجا آخر مساخه كعادته ودقي يا مزيكا لحن العشوائية ، وفي المقابل كانت صاحبتنا الجميلة قناة النيل الأزرق كعادتها في تكريم المبدعين حاضرة على سنجة عشرة في هذا المصاب الجلل فالتحية لصديقنا الجميل مدير إدارة البرامج في النيل الأزرق الشفيع عبد العزيز وكوكبة العاملين في هذه القناة المهضومة . رحل العملاق محمد وردي وبقيت سيرته وعطاءاته الفنية حاضرة ونابضة في الذاكرة الجمعية للسودانيين وستظل كذلك مجسدة مسيرة إنسان عشق العطاء الإبداعي وحصد أوسمة الحب من الملايين داخل وخارج حدود الوطن ،ولكن يظل ثمة سؤال جارح هل نحن قدر عطاء المبدعين وتكريمهم وتخليد ذكراهم وحفظ الجميل لهم ، للأسف بورصة الوفاء تسجل غيابا كبيرا لدينا ، فقبل وردي انتقل إلى الضفة الأخرى ، الطيب صالح ، عثمان حسين ، إبراهيم عوض ، خليل إسماعيل ، زيدان إبراهيم وقبلهم مصطفى سيد احمد رحمهم الله جميعا ورغم أن عطاء الراحلين وحده يخلدهم في الوعي الجمعي لكن نظل نعاني من الوفاء تجاه من رحلوا من مبدعينا إلى الضفة الأخرى رحم الله العملاق محمد وردي والعزاء لكل السودان .