رأي حر: محيى الدين عبد الرحمن المبارك تصاعدت حدة التوتر الأيام الماضية بين السودان وجنوب السودان، وفي رأينا أن ما يجري بين الدولتين الجارتين من خلاف وتوتر، لا يسنده ساند، ويبدو أن ساستنا فقدوا البوصلة، وأصبحوا يتخذون مواقفهم منطلقين من ردود الأفعال، لأنه من المنطق السليم أن تتناغم الدولتان لتشابك مصالحهما، وكذلك لتعايش مواطني الدولتين قبل الانفصال في ود ووئام، رغم الحرب الأهلية التي دارت ردحاً من الزمن، وبعد إعلان الانفصال وانحياز الجنوب لخيار الانفصال، كان من المؤمل أن يهب الشمال- رغم المرارات- للمساهمة في بناء الدولة الوليدة بكوادره في المجالات المختلفة- لوضع أسس وطيدة لعلاقات بين البلدين، وقد عبر عدد من المسؤولين في الدولة الجديدة حينها عن رغبتهم في مساهمة الشمال في بناء دولتهم الجديدة، وكان من المؤمل أن تتقاطر وفود المهنئين من الشمال للجنوب، وهذا لم يتم، مما جعل الدولة الوليدة تعطي ظهرها للشمال وتتجه جنوباً للدول المجاورة، والى دول الغرب، وأمريكا، واسرائيل، هذا المسلك من الحركة الشعبية ناقض كل ما كان يحدث إبان سنوات الحرب الأهلية، حيث اتجه سكان الجنوب صوب الشمال الذي احتضنهم في ود، وعاش الجنوبيون بكل مدن الشمال في وئام، ونكاية في الشمال احتضنت الدولة الجديدة الحركات المسلحة الدارفورية، وكان لا يزال لها ضلع كبير في ما يجري في جنوب كردفان والنيل الأزرق، ويمكن أن يقال إن موقف الحركة الشعبية المعادي للشمال موقف مبدئي، يغذيه الحقد الذي ترسب منذ أيام الحرب، ولكننا نقول إن ما يهزنا هو شعب الجنوب الشقيق، وأنا على يقين أن الحركة الشعبية التي تجثم على صدره لا تمثله ولا تلبي طموحاته، وتظهر كل يوم كحركة عنصرية قبلية تعمل لمصلحة أجندة خارجية، وفي الحملة التي صاحبت الاستفتاء لتقرير مصير الجنوب انبرت منظمات المجتمع المدني لتجعل من الوحدة خياراً جاذباً، وكنت شاهداً ومشاركاً في حملة شبكة منظمات المجتمع المدني التي ضمت أكثر من خمسين منظمة طوعية، شارك في حملة الشبكة- التي احتضنت اجتماعاتها حديقة عشي بالخرطوم(2)- عدد من الرموز الجنوبية تصدرهم البروفيسور ديفيد ديشان السياسي الجنوبي المعروف، ورئيس حزب الديمقراطية المعارض بالجنوب، كما شارك في فعاليات الشبكة عدد من السلاطين والشباب الجنوبيين بالخرطوم، وكان لافتاً للنظر مشاركة قيادات نسوية جنوبية من أبيي تنادين للمشاركة في الجهد الشعبي لصالح وحدة التراب السوداني، وضعت الشبكة برنامجاً طموحاً تمثل في لقاءات جماهيرية لتجمعات الجنوبيين بالعاصمة، وقافلة فنية ثقافية لمدن الجنوب للتبشير بخيار الوحدة، ولكن ضيق الامكانات المادية حال دون تنفيذ البرنامج بالصورة المطلوبة.. وفي سياق هذا الجهد الشعبي تم الاسبوع الماضي تكوين جمعية الأخوة السودانية الشمالية الجنوبية، وبادرت نخبة من السياسيين والأكاديميين والدبلوماسيين والصحفيين تصدرهم البروفيسور الطيب زين العابدين، والأستاذ محجوب محمد صالح، والدكتور يوسف العجب، تم هذا في اجتماع جامع شهدته قاعة اجتماعات مجلس الصداقة الشعبية العالمية، وشارك فيه السيدان أحمد عبد الرحمن محمد، وعبد الباسط عبد الماجد. في رأينا أن الجهد الشعبي يمكن أن يفضي الى نتائج إيجابية، خاصة في حالتنا هذه، لأن مواطن البلدين كان يضمهما وطن واحد، ومصير واحد، وعاش في وئام وتمازج شعبي فريد، ولكن المواقف السياسية هي التي أفسدت هذا الوئام والتمازج الشعبي، ولسنا في حاجة لأن نقول إن هذا العصر الذي دخلته المنطقة هو عصر الشعوب، ونقول للمسؤولين اطلقوا العنان للجهد الشعبي ليمارس دوره الرائد لخلق تعايش سلمي بين البلدين، وللمساهمة في خلق توافق بين مسؤولي البلدين وهذا خير للجميع وهو الخيار الأمثل.