يعيش السودان الآن مرحلة مفصلية في تاريخيه، حيث يواجه خطر الانشطار وتفتيت كيانه وترابه، هذا المشهد الخطير الذي يعيشه السودان الآن يضع كل أبنائه بتوجهاتهم المختلفة والمتباينة، أمام تحدٍ تاريخي يتطلب استنهاض كل قواه إلى التصدي لمستحقات هذه المرحلة المفصلية، متجاوزين المواقف الحزبية والجهوية الضيقة لتفادي لعنة التاريخ ولعنة الأجيال القادمة. هذا المأزق الذي يعيشه وطننا يتحمل تبعاته كل القوى السياسية منذ فجر الاستقلال، تلك القوى التي انصب همها وجهدها في قضايا انصرافية، ولم تسعَ لتحقيق تمازج شعبي بين أبناء الوطن الواحد خاصة بين أبناء الشمال والجنوب.. كما أنها تجاهلت إحداث تنمية اقتصادية واجتماعية، هذه القوى السياسية تتحمل بنفس القدر المسؤولية التاريخية مع المؤتمر الوطني الذي يتبوأ قيادة البلاد الآن. وفي المقابل يحتم علينا أن نشيد بأبناء الوطن في الشمال والشرق والغرب والوسط، الذين احتضنوا أبناء الجنوب رغم الحرب وأرسوا معهم علاقات اجتماعية حميمة تمثلت في التمازج الذي لا تخطئه العين، وقبل سنوات وحسب إفادة أحد الولاة السابقين للشمالية، أن الوافدين للولاية بلغت نسبتهم ال20% وأغلبهم من الإخوة الجنوبيين.. وتبرز هذه الظاهرة الإيجابية في مدن الولاية الشمالية حلفا ودنقلا والدبة ومروي وكريمة، كما أن قريتي الصغيرة «النافعاب» التي يحتضنها منحنى النيل كما ذكرت في مقال سابق، احتضنت عدداً من الإخوة الجنوبيين الذين انصهروا في مجتمعها الصغير وتزوجوا وتناسلوا واصبحوا يعزفون الطمبور باقتدار، ويلتهمون القراصة في متعة، هذا هو الشعب السوداني الذي لا نمل أن نصفه بالشعب المتفرد، والذي وجد كل غريب في أرضه الحضن الدافيء، ناهيك عن الشقيق الجنوبي.. وقضية تقرير المصير التي أضحت تهدد كيان السودان ووحدة شعبه، انبرت لها الآن بجانب المؤتمر الوطني، القوى الحية في المجتمع، المتمثلة في منظمات المجتمع المدني، وهي التي أصبحت الآن أهم أدوات العصر سياسياً وثقافياً واجتماعياً، والعالم الأول يعتمد عليها الآن اعتماداً كلياً في رسم سياساته الداخلية والخارجية، بجانب اعتماده على مراكز البحوث والدراسات. وظللت طيلة الأسابيع الماضية بحكم موقعي في «منظمة الأمل الخيرية للتنمية»، أعيش في خضم عمل كبير دفعت به المنظمة لعدد من منظمات المجتمع المدني، والذي تمثل في تنظيم قافلة ثقافية وفنية للالتقاء بالإخوة الجنوبيين بمدن الجنوب، للتبشير بالوحدة وتوضيح مخاطر الانفصال على الجنوب والشمال، هذه القافلة يسبقها جهد مماثل وسط تجمعات الإخوة الجنوبيين بولاية الخرطوم. هذا العمل الوطني الطوعي تشكلت لتنفيذه شبكة للمنظمات الطوعية ضمت أكثر من أربعين منظمة طوعية، من بينها عدد مقدر من منظمات المجتمع المدني بجنوب الوطن، على رأسها منظمة «المرأة الزاندية»، ومنظمة«ديار»، ومنظمة«المرأة بأبيي»، ومنظمة «ران شير»، بجانب عدد من السلاطين بولاية الخرطوم. والشبكة تسابق الزمن الآن للقيام بجهد شعبي يصب في الحملة القوية التي تنتظم البلاد الآن، وتستهدف وحدة شعب السودان وترابه. وطيلة الأسابيع الماضية ظلت حديقة القرشي بحي الخرطوم 2 الوريفة، تشهد تجمعاً للشبكات للإعداد للقافلة، وفي الأسبوع الماضي تنادى لمقر اللقاء عدد كبير من أبناء وبنات الشمال والجنوب في تناغم جسد العلاقات الحميمة بين أبناء الوطن الواحد. خاطب اللقاء البروفيسور ديفيد ديشان السياسي الجنوبي المعروف، موضحاً أن مشكلة السودان تكمن في التنمية ليس في الجنوب وحده، بل في كل أرجائه، وقال إن هذا الشعب الذي يمثل هجيناً متفرداً بين العروبة والأفريقية، يجب أن يظل موحداً لمواصلة عطائه الذي ظل يقدمه إقليمياً ودولياً، وقطع في ختام مخاطبته بأن وحدة السودان قادمة لا محالة. وفي الختام لابد أن أخاطب الإخوة بالحركة الشعبية وعلى رأسهم الأخ باقان أموم، الذي يتصدرالدعوى للانفصال، وأقول لهم إننا نقدر مشاعرهم ونحترم موقعهم، منطلقين من قناعتنا الراسخة باحترام الرأي الآخر..ونقول لهم إننا لسنا في معركة حربية، ولكن كل منا يسعى لتحقيق قناعاته، ونؤكد لهم أن مصلحة الجميع تتمثل في نبذ الخلافات وتجاوز رواسب السنين. وأقول لهم أخيراً.. تعالوا لنبني وطناً موحداً يكون أنموذجاً للدول الأفريقية، نجسد فيه تفرد هذا الشعب العظيم.