بدأ الدكتور عمر عبد الله ممثل الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس حديثه بطريقة درامية حيث قال إن الولاياتالمتحدةالأمريكية تسجل دوماً الآلاف من حالات التسمم الغذائي، بينما نحن في السودان ليست لدينا حالات تسمم غذائي ممّا أربك الحضور وخلق حالة من الاستعداد للرد والهجوم على الدكتور، وهكذا أفلح الدكتور عمر في الاستحواذ على إهتمام كل الحضور من اللحظات الأولى لبداية حديثه، وما ذلك إلاَّ أنه استعمل إحدى أساليب تقديم المحاضرات الحديثة وهو الأسلوب الدرامي أو أسلوب الصدمة والمفارقة، فلو صبر الحضور قليلاً لأدركوا أنه يعني تماماً ما يفكرون فيه، وهكذا استطاع أن يؤكد لهم أن السودان به ما لا يحصى من حالات التسمم الغذائي يومياً، ولكن معظمها حالات غير مسجلة لأنها تضيع وسط كم هائل من المفاهيم الخاطئة التي تسمي التسمم الغذائي بأسماء مضللة أقلها «بطنو مكركبة»، ويقيني أنه ليس باستطاعة أي من الحضور نسيان ما قاله دكتور عمر ذلك اليوم. كان ذلك يوم السبت الخامس والعشرين من فبراير ما بين الثانية عشر والثانية نهاراً بمنتدى جمعية حماية المستهلك الذي تقيمه بمقرها في الخرطوم كل سبت. كان المنتدى ذلك اليوم تحت عنوان «من أجل إنشاء نظام وطني للرقابة الغذائية» وقد شرفه حضور نوعي يتقدمه مجلس إدارة الجمعية وأعضاؤها الدائمون، ومن قبل بداية فعاليات المنتدى وصلت لكل أحد من الحضور ورقتان على التتابع: الورقة الأولى مكتوب عليها «اليوم العالمي للمستهلك، أموالنا حقوقنا، 15 مارس 2012، المتحدثون د. أزهري علي عوض الكريم، د. إبراهيم عباس موسى د. إبراهيم محمد حسين، مناقشون: ممثل المواصفات ، ممثل وزارة الصحة، ممثل وزارة الصناعة، ممثل وزارة الزراعة، ممثل مركز أبحاث الأغذية» والورقة الثانية بها الموجهات. وهكذا ضمن منظمو المنتدى مشاركة جميع الحضور، وهذا ما افتقدناه في معظم المنتديات الثقافية التي امتلأت بها العاصمة في السنين الأخيرة. كان أول المتحدثين الخبير العالمي في مجال الأغذية الدكتور أزهري علي عوض الكريم الذي أخذنا في سياحة علمية رجعت بنا تاريخياً إلى البدايات الأولى لعلاقات الإنسان بالغذاء، وعرج بنا إلى أصول الموضوع في الثقافة الإسلامية مستدلاً بالآيات القرآنية التي تتحدث عن الغذاء كوقاية وعلاج، ثم أعقبه الدكتور إبراهيم عباس موسى الذي أمَّن على ما قاله الدكتور أزهري وأضاف إليه توضيح البعد المأساوي الذي نعيش فيه بجهلنا لمخاطر تعاملنا العفوي مع الغذاء، ثم تحدث وكيل الوزارة بلال يوسف الذي كان شجاعاً وواضحاً، ثم تلاه المتداخلون. أهم النقاط التي تمت مناقشتها:- تحديد إذا ما كان المطلوب إنشاء جهاز رقابي أم نظام رقابي أم تفعيل نظام موجود. تأثير نزع بعض السلطات الرقابية من الوزارات الاتحادية وتحويلها لهيئة المواصفات على الرقابة ذاتها وفاعليتها حيث تضاربت الاختصاصات وكثرت التشريعات. أهمية وجود رقابة وقائية وقبلية. أهمية التدقيق في منح التراخيص للمصانع بشروط صحية وبيئية تجنبنا حرج إقامة مصنع غذاء بالقرب من مدبغة. التركيز على تعاون جميع الجهات ذات الصلة. الاهتمام بالكوادر المؤهلة والمختبرات ذات المواصفات العالمية. عدم جدوى الرقابة الروتينية وضرورة مواكبة المقاييس العالمية التي تتغير كل يوم. وفي الختام أمَّن الحضور على ضرورة أن تتبنى الجمعية التوصيات التي خرجت بها فعالية المنتدى والذهاب بها إلى المسؤولين لإطلاعهم على خطورة الوضع. هذا ما كان من أمر المحاضرين والمعقبين والمتداخلين في المنتدى، أمَّا أنا فقد كان لي شأن آخر.. فقد طافت بذهني كل صحون «البوش» والكوارع التي «لهطتها» بشهية تامة ولا مجال لإخراجها بأثر رجعي. ومن المفارقات الغريبة أنني أثناء عودتي مع شقيقي محمد هلالي مساء نفس يوم السبت بعد جولة عائلية مررت بتجربة كانت امتداداً لمحاضرات المنتدى تماماً.. فقد كان معنا في السيارة من ضمن أفراد العائلة إبن أختي مهند صالح. وفجأة وبلا أية مقدمات دخل مهندس في نوبة قيء وبدأ في التقيؤ «الطراش»، ممّا أجبر شقيقي محمد إلى إيقاف السيارة. بعد إجراء الإسعافات المتاحة من تنظيف وتهدئة نشأ في داخلي صراع بين الوعي الشخصي الذي أكتسبته من فعاليات المنتدى وبين الوعي العام الذي يسيطر علينا كسودانيين، فتغلب وعيي الشخصي وصرحت بضرورة الذهاب إلى المستشفى، فكان رد مهند إبن أختي أن لا داعي للمستشفى، وما كان مني إلا أن عدت إلى الوعي العام وتأكدت من أن مهند إبن أختي «بطنو مكركبة» فقط.