في عدن قبل عدة سنوات كنت مع صاحبي وزميل مهنة المتاعب علي فقندش نتجول في سوق قديم مع مرافق لنا ، وفجأة شق صمت الحارة الصغيرة صوت مكتوم أشبه بصراخ الثكالي في ليلة حزينة وعندها ظهر رجل قصير يرتدي فوطة شعره ملبد بكتل الشحم ، لحظتها كدت وصاحبي الفقندش نطبيق سيناريو الجنيات الجرو ، لكن مرافقنا أطلق ضحكة مجللة وقطع خوفنا أن الرجل ذو الهيئة المزرية يدعي بيضان ، وقد إعتاد على إطلاق صراخه في أسواق المدينة . في تلك اللحظة بدأت افكر في أصحاب الإعتلالات النفسية الذين يجوبون شوارع وطرقات العاصفة القومية أقصد العاصمة القومية ، فضلا عن تواجدهم في الكثير من القرى . المهم يا جماعة الخير بعد إنتهاء الجولة سألت مرافقنا عن قصة بيضان فتنهد من أعماقه وذكر بعضمة لسانه أن بيضان من المحاربين القدامي فيما كان يعرف بجنوب اليمن ، وخلال الحرب اللعينة فقد جميع اصدقائه وزملائه في الفرقة العسكرية وكان يومها في ال28 من عمره ، وبعد نهاية الحرب التي نتج عنها توحيد اليمن إصيب بالكآبة وأدمن الصمت ، وفجأة ظهر في الأسواق وهو يهذي ويصرخ ويوزع شتائمه ضد أشخاص مجهولين . ومع إنطلاق هوجة الحرب والردع في السودان تذكرت صاحبنا بيضان الذي اتصور أنه ما زال يهذي وربما تكون موجة إعتلالاته زادت عن حدها نتيجة للإحداث التي شهدها اليمن لأكثر من سنة بالتمام والكمال ، المهم قصة بيضان تجعل الإنسان يفكر في أعداد القتلى والجرحي الذين خلفتهم الحروب والقلاقل في السودان منذ إنطلاق شرارتها في عهد الرئيس الأسبق جعفر النميري رحمه الله وحتى عهد أصحابنا في الإنقاذ ، بصراحة نحن نعيش في زمن الشفافية والذي منه ، وأرجو صادقا من الجهات المختصة ومراكز الإحصاء هذا إن كان لدينا مراكز إحصاء كشف الأرقام الحقيقية لمآسي الحروب في السودان وحجم الخسائر البشرية من الضحايا والمصابين . وحتى تكون المسألة جدية ، دعوني أسأل ببساطة وبدون لف ولا دوران ، كم عدد المرشحين ليكونوا وقودا للحرب القذرة المقبلة في جنوبي كردفان وفي درافور وحتى في عمق دولة جنوب السودان ، إنه سؤال مشروع ، يبحث عن إجابة شافية ، شيء آخر يا جماعة الخير ، إذا إستمرت طبول الحرب أو وقعت الكعة اللعينة فإن الحمل الوديع أقصد دولة جنوب السودان سوف تولول وتستقطب الدعم من العالم أجمع لمحاربة الشمال وبعدها تصبح الحكاية , آخر هيصة وجمال ما بعده جمال ، لكن ثمة سؤال آخر ، كم واحد في السودان سنجده في الغد فقد عقله جراء مآسي الحرب وأصبح يجوب الأسواق تماما مثل بيضان اليمني إحسبوا لي بكرة ولي بعده العدد في الليمون . والليمون سقايتو عليا .