كانت قضية المرأة ذات حضور مكثف، وأثر ملحوظ في الفكر الإنساني منذ الأزل، ولا زالت حاضرة بذات الأثر والكثافة في الواقع اليوم من خلال دعوات الجندرة ورعاية الأمومة والطفولة. تعرضت المرأة للضغوط والإهانة على مر الحقب والعصور.. في الجاهلية العربية الأولى وفي الحضارات الغربية القديمة، وفي المجتمع الغربي المعاصر. كان العرب في الجزيرة العربية قبل الإسلام يعدون منزلة النساء متوسطة بين الحيوان والإنسان.. بعض ممتلكات الرجل.. تورث كما يورث المتاع، وتكره على البغاء وليس لها من حق تدعيه!! هذا إذا عاشت فهي في الأصل تقتل وتوأد باعتبارها شعراً للعار والشنار. إن المولودة البنت تدفن حية بعد ولادتها مباشرة عند عرب الجاهلية، بزعم خوف القهر عليها وطمع غير الأكفاء!! يقول تعالى:(وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم ü يتوارى من القوم من سوء ما بُشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون).. وكانت العرب في الجاهلية لا يورثون النساء والأطفال ويقولون: (لا يرث إلا من طاعن بالرماح، وزاد عن الحوزة وحاز الغنيمة) بل كان الرجال يرثون النساء كرهاً، وذلك بأن الرجل لو مات له قريب.. أب أو أخ حميم عن أمرأة القى الوارث ثوبه عليها وقال: أنا أحق بها من أحد ورثتها كما ورثت ماله فتكون له إن شاء تزوجها أو زوجها غيره وأخذ مهرها، وكانت المرأة في الجاهلية مشاعة للمتعة وممارسة البغاء يدخل عليها الرهط من الرجال، فإذا أنجبت اختارت له أباً من اؤلئك!! كانت المرأة في كنف الحضارتين المشهورتين اللتين حكمتا البلاد العربية القديمة - الرومانية واليونانية - كانت لا تعدو أن تكون مطلباً من مطالب المتعة والوجاهة الاجتماعية، وتصنف قانونياً في منزلة تشابه منزلة الرقيق في حجب الحقوق الشرعية والمدنية.. أما المرأة في شرائع الهند القديمة تقول النصوص: (أن الوباء والموت والجحيم والسم والأفاعي والنار خير من المرأة، وينتهي حقها في الحياة بانتهاء حق زوجها الذي هو سيدها ومالكها، فإذا مات ورأت جثمانه يحرق القت بنفسها في نيرانه وإلا حاقت عليها اللعنة الأبدية). أما اليهود فيعتبرون أن المرأة لعنة من سفر الجامعة، (درت أنا وقلبي لا أعرف الشر أنه جهالة والحماقة أنها جنون. فوجدت أمر من الموت المرأة التي هي شباك وقلبها أشواك ويداها قيود) أما عند المسيحيين الأوائل فقد صدمهم انتشار الفواحش والمنكرات في المجتمع الروماني، فاعتبروا أن المرأة مسؤولة عن ذلك كله، فأعتزلوا النساء وقرروا أن الزواج دنس يجب الابتعاد عنه، وأن الأعزب عند الله أكرم من المتزوج. وأن من أمثال الأمم القديمة التي تعضد ذلك ما يلي:- يقول المثل الصيني: أنصت لزوجتك ولا تصدقها، ويقول المثل الروسي: لا تجد في عشر نسوة غير روح واحدة، والمثل الأسباني: إحذر المرأة الفاسدة ولا تركن إلى المرأة الفاضلة. نشطت الجماعات المعاصرة المطالبة بإنصاف المرأة ورد حقوقها المهضومة والسعي لمساواتها بالرجال، نشطت شيئاً فشيئاً خلال القرن الماضي وخصوصاً في النصف الثاني، فأصبحت بعض الجهات في الشرق الأوسط تدعى الأسبقية والأولوية في المطالبة بحقوق المرأة، منافسة للجماعات الأوربية والأمريكية، ظهر أول كتاب في مصر أصدره المحامي المسيحي المتعصب مرقص فهمي(المرأة في الشرق) وقد دعا فيه ولأول مرة في تاريخ الشرق إلى القضاء على الحجاب وإباحة الاختلاط.. وتقييد الطلاق، ومنع التعدد في الزوجات، وإباحة الزواج بين المسلمات والأقباط. ومضى على دربه الكاتب المشهور قاسم أمين أحد رواد تحرير المرأة، وكان ذلك في مطلع القرن العشرين، ثم تطورت الأمور حتى صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أكد عدم جواز التمييز بين الرجال والنساء، ثم بلغت القضية ميلاد اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة المعروفة ب(سيداو) في أخريات عام 1979م، التي جاءت في ثلاثين مادة تعارض معظمها أحكام الشريعة الإسلامية، وتخالف بعض القوانين والنظم السارية في دول العالم، مما حدا ببعض الدول إلى مناهضتها، أو التحفظ على بعض أحكامها وموادها، رغم التأييد الكبير الذي حظيت به فيما يقارب المائة بلد في بلدان العالم، وقد ضمت قائمة الدول المؤيدة- للأسف الشديد- بعض الدول العربية والإسلامية، ومن المفارقات أو الموافقات العجبية أن الدول العربية التي تشهد ثورات شعبية كلها ضمن القائمة.. مصر.. اليمن.. ليبيا.. الجزائر.. المغرب.. تونس.. الخ.. فيا سبحان الله، أن أخطر ما جاء في اتفاقية سيداو على الإطلاق هو ما يدعو لهتك نظام الأسرة، والأحوال الشخصية التي ضبطها التشريع الإسلامي بقواعد العدل والأخلاق.. أن التشريع الإسلامي أرسى قواعد الحياة الإنسانية بزوجين ذكر وأنثى، وأكرم المرأة ايما إكرام، وبالغ في صونها وحسن رعايتها، فالأنثى أصيلة مثل الذكر.. بل أشد أصالة لأنها المستقر يقول تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون).. وساوى الإسلام بين المرأة والرجل في أهلية التكليف وحمل الأمانة، فجاء الخطاب الإسلامي عاماً للرجل والمرأة وقال تعالى: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات القانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيما).. وساوى الإسلام كذلك بين الرجل والمرأة في القيام بالواجبات الاجتماعية ،والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وساوى بينهما في التكليف، وفي الجزاء، والحساب والأمانات، يقول تعالى: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)، هذا بالإضافة لترسيخ الحقوق المالية والاجتماعية والسياسية للمرأة، فأعطاها الإسلام حق التملك والبيع والايجارة، وكامل حقوق التصرف المشروع في أموالها مثل الرجل سواء بسواء، وأعطاها حرية واختيار حياتها الزوجية بلا قهر أو إكراه، وأعطاها كذلك حق المشاركة في الجهاد والإسهام في الحياة العامة، وكل ما ينفع الأمة. هذا الذي ذكر لم يكن شعارات رفعت ولا نظريات أطلقت لاستمالة المرأة، بل كان سلوكاً عملياً وواقعاً معاشاً، قدم النموذج الأمثل لحرية المرأة وإنصافها في عصر الرسالة وصدر الإسلام، فأثمر ذلك ثماراً يانعة وأمثلة مباركة من نساء فضليات خلدهن القرآن الكريم، واحتفت السيرة النبوية المباركة بالسيدة خديجة بنت خويلد، وأول من استجابت للرسالة الخاتمة والسيدة سمية بنت الخياط (أم عمار بن ياسر) طليعة شهداء الإسلام، وأسماء بنت أبي بكر ثالث ثلاثة ائتمنوا على أخطر التحولات التي غيرت مجرى الدعوة الإسلامية.. هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وساهمت الصحابيات في العقود الدستورية والحياة السياسية والجهادية مثل نسيبة بنت كعب الأنصارية، وأم منيع أسماء بنت عمر، وأم سلمة وحفصة وعائشة وبقية أمهات المؤمنات، ثم خولة بنت الأزور، وتماضر الخنساء، ونذكر في التاريخ المعاصر زينب الغزالي، وعائشة بنت الشاطيء من مصر، وبروفيسور سعاد الفاتح، والدكتورة آسيا العماس من السودان. التحية للمرأة اينما كانت في يوم عيدها... المرأة... الأم.. الزوجة والأخت.. صانعة الرجال وملهمة الآمال وقد قيل وراء كل عظيم امرأة.