تقول الإصدارة رقم «1» لجامعة الخرطوم وهي تركز على دستور 5002 الذي تجاوزه الزمن وتجاوزته التجارب: «وعلى صعيد آخر أكدت المادة 34 «1» على حق التملُّك لكل إنسان دون تمييز». وهل كان حق التملك لكل مواطن دون تمييز محتاجاً إلى المادة 34 «1» لتكون أساساً له؟ وهل تعرف «جندرمة» الأممالمتحدة أي شيء عن أحكام الملكية الخاصة في شريعة الإسلام؟ إن الإسلام يؤسس بصورة واضحة وجلية أسباب التملك وطرق التملك وأحكام الملكية ولا يفرِّق في ذلك بين رجل أو امرأة ولا بين ذكر أو أنثى ولا بين صغير أو كبير، بل لا يفرِّق في احترام الملكية بين مسلم وكافر ولا بين ملك وسوقة.. والإصدارة الأممية لا توضح أوجه الاعتراض على أحكام ملكية المرأة وطرق تملكها في المجتمع السوداني ولا في الدستور كل الذي توصي به الإصدارة هو المطالبة بالمزيد من فرص التملُّك بالتمييز الإيجابي المبهم في فهم «الجندرمة» أو بالدور السلعي الاستهلاكي الذي تبشِّر به برامج الأممالمتحدة وتلحظات العلمانيين وطلاب اللذة والمتعة الميسرة.. والإصدارة تتحدث بجهل فاضح عن أن قانون ملكية الأراضي يحد بوضوح من حق النساء في التملُّك إلا في معية الزوج، وهذا جهل فاضح وقد يصل إلى درجة الكذب الضار فإن «أصل المسألة» هو أن قانون ملكية الأراضي يحد بوضوح من حق الرجل في التملُّك إلا بمعية الزوجة وهو قانون استحدث في منتصف الثمانينيات عندما ضمّن اسم الزوجة في ملكية أي أرض ينالها الزوج من خلال الخطة الإسكانية باعتبار أن هذه هي مسكن الأسرة ولا يستطيع الزوج التصرُّف فيها إلا بموافقة الزوجة.. مع أن الزوج هو الذي يتحمّل مسؤولية سداد الأقساط كاملة لمصلحة الأراضي.. وهو الذي يتحمّل تكلفة البناء والتشييد.. وهو مكلف شرعاً وقانوناً وطبعاً وعرفاً بالإنفاق على الأسرة.. والمحاكم في السودان لا تحتاج إلى مجهودات جامعة الخرطوم البئيسة لتبت في قضايا النفقة لمصلحة الزوجة والأطفال. ومع ذلك هو لا يستطيع في السرّاء أو في الضرّاء أن يتصرّف في هذه القطعة أو المنزل إلا بعد موافقة الزوجة.. وويل له.. ويل له إن حدثته نفسه الأمّارة بالسوء أن يتزوج على زوجته الأولى صاحبة حق «موافقة الزوجة». إن هؤلاء الجندرمة الجدد يمسكون الموضوع بالعرض إن «الجندرمة» الأممية لا تمانع في أن تدلّس .. ولو دعت الحال إلى أن تكذب فلا بأس.. إنهم يقولون: لقد أخذت الأسرة وليست الدولة الاضطلاع بمسؤولية الصحة، إذ ورد في بعض الولايات أن قيمة إجراء العملية القيصرية بلغت خمسمائة جنيه تدفعها الأسرة.. في الوقت الذي أكدت فيه توجيهات رئيس الجمهورية مجانية مثل هذه العملية..».إن هذه القضية ليست قضية جندر بصريح عبارة الإصدارة «تدفعها الأسرة» مع أن حقيقة الأمر أن الذي يدفعها هو الزوج.. ومع ذلك فأين هي قضية الجندر هنا؟ أليست هذه قضية اجتماعية عامة يتساوى فيها الناس جميعاً.. صحيح أن المرأة الحامل قد تتعرض لأخطار إلى درجة الوفاة بسبب عدم تمكن إجراء العملية ورغم كل ذلك فإن هذا كله لا يجعل هذه القضية قضية جندرة ربما جعلها قضية ظلم اجتماعي.. أو قصوراً في أجهزة الحكم.. أو حتى قضية سياسية تؤدي إلى «الشعب يريد إسقاط النظام» ولكنها قطعاً ليست قضية جندر ولن تخرج مسيرات وتظاهرات تهتف بأن «المرأة تريد إسقاط النظام» أو إن «الجندر يريد إسقاط النظام» أو «النوع الاجتماعي يريد إسقاط النظام» لسبب بسيط هو أن هذه التظاهرات تقوي النظام ولا تضعفه.. لأن الجندر أو النوع الاجتماعي إذا كان له أصلاً وجود فهو عبارة عن الجنس الثالث.. الذي هو لا ولد ولا بنت .. ولا هو رجل ولا امرأة .. ولا هو حنظلة ولا بطيخة.. هو مجرد Tomboy أو «أُمْحُمَدْ ولد» يعجز عن دور الولد ولا يفي بدور البنت. إن الجندر قضية لا تهم أهل السودان.. ولا تشغل حيزاً من تفكيرهم.. إن الفقر قضية إنسانية وليست قضية جندر.. والصحة قضية إنسانية وليست قضية جندر.. والتعليم قضية إنسانية وليست قضية جندر.. وكذلك الحرب قضية إنسانية ولا علاقة لها بالجندر ليس هناك كائن يمشي على الأرض اسمه الجندر.. ولكنْ هناك كائن مسخ يمشي على رجليه.. رجل يتشبّه بالنساء وامرأة تتشبه بالرجال. إن مُلاّك المشروع الأممي السلعي الاستهلاكي يهزءون بجندرمة «العالم الثالث» الذي سمى نفسه العالم الثالث ورضي الاسم لنفسه.. هؤلاء المُلاّك يعلمون أنهم في حضارتهم وثقافتهم يطلقون على المتشبّه بالنساء Girlish والمتشبهة بالرجال Boyish ولا يقولون في معاجمهم وموسوعاتهم إن هناك نوعاً ثالثاً أو نوعاً اجتماعياً اسمه الجندر.. ولكنهم يعلمون خفة رأس الجندرمة المنبطحة المستكينة المستخذية ويعلمون أن لها نقطتي ضعف: واحدة في أعلاها والأخرى في أسفلها فيحركونها منهما.. كما يشاءون. إن هذه هي أخطر تقنية.. وأشرّ تقنية.. وأخبث تقنية عرفتها البشرية.. إنها تقنية شيطانية.. تقنية البطن والفرج.. تقول الجندرمة الانكشارية الانكسارية في الإصدارة رقم «1»: «إنه بالرغم من الصورة القاتمة لواقع حال المرأة وحرمانها من حقوقها الدستورية في التعليم والصحة والحياة العامة..» بالرغم من أنهم يتكلمون عن دستور 5002 الذي ولى زمانه وبروتوكول مشاكوس.. فنحن نسأل عن المواد التي نصت على حرمان المرأة من حقوقها الطبيعية في التعليم والصحة والحياة العامة. إن الحياة العامة التي يحلمون بها للمرأة ليست هي حياة المنقبات ولا المحجبات.. ولاحياة «إلا ما ظهر منها». إن المرأة عند هؤلاء مجرد سيقان وأرداف وأفخاذ وتبرج وسفور وتهتك واختلاط ويختصرون كل ذلك في كلمة واحدة مفتاحية ينحتونها نحتاً يسمونها «الخلط».. إن مرجعيات هذه المجموعة البئيسة التعيسة هي أفكار الأممالمتحدة وبروتوكول مشاكوس ودستور 5002 وصحيفة الميدان لسان حال الحزب الشيوعي وإحصاءات موقعي وزارة التربية والتعليم ووزارة الصحة.. وورقة أعدتها أحلام ناصر «من هي؟» ومساهمات أعضاء لجنة منتدى جندرة الدستور وفي ذلك الغنى كل الغنى عن كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدي الصحابة والتابعين.. بل والقامات السامقة في الفكر والفقه والدعوة في غابر عصور أمة الإسلام وحاضره ويكفي لهدم الحياة الماضي والمستقبل الاستهتار بمجموعة من النكرات والشبان والشابات ممن هم بلا سبق ولا سن ولا يعرفهم أحد ولربما لو أن أحد أقربائهم أو معارفهم قرأ اسماً منهم في هذه الإصدارة لظنه تشابه أسماء ولم يصدق أنه ذات الشخص الذي يعرفه.ثم ندلف إلى الإصدارة الثانية «2» وهي بعنوان: (مشروع وثيقة دستور يراعي منظور النوع الاجتماعي «الجندر» أغسطس 1102) وقبل أن أبدأ في عرض وتحليل ونقد محتويات هذه الوثيقة الخطيرة التاريخية أقول للسيد مدير جامعة الخرطوم: أنا على أتم استعداد للاعتذار علناً وكتابة وفي سائر القنوات والإذاعات والصحف.. بل وعلى أتم استعداد لتقبيل رأس مدير الجامعة بل وقدميه.. فقط أريد منه مبرراً واحداً أو مسوغاً للزج بالجامعة الصرح والرمز والمفخرة في هذا العمل الوصمة والفضيحة والذي يزداد سقوطاً وشناعة بمقاطعته لكتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إرضاءً للأمم المتحدة واستغناءً بدولار الأممالمتحدة وتحدياً لتاريخ الأمة واستخفافاً بتراثها وميراثها.. هذه الإصدارة رقم «2» تذهب بعيداً في الإسفاف والاستخفاف وإظهار البله والعبط إن صح التعبير والضحالة الفكرية وخفة الرأس المشهورة لدى ناشطي حقوق المرأة من أيام قاسم أمين وغيره من صرعى حضارة البطن والفرج. وصفحاتها محلاة وموشاة ومزدانة بالرمزين اللذين يدلان عند أهل علم البيولوجيا إلى الذكر.... والأنثى....... وتحمل عناوين مثل: المواطنة، والديمقراطية، والمشاركة السياسية، وأهمية مشاركة النساء في كتابة الدستور الجديد، ومفهوم النوع، من الذي يحكم وكيف يحكم، الاعتراف بالتنوّع، موضع حقوق المرأة في الدستور. مع أن هذه العناوين تُثير علامات استفهام كثيرة حول جدية الورقة وحسن إدراك معدِّها أو معديها لأهدافها وقضاياها.. ولكن فوق ذلك فإن الورقة تثير السخرية والشفقة من الضحالة التي يُظهرها هؤلاء القوم.. وهم يتيحون لخصومهم فرصاً ذهبية للتندُّر بهم والسخرية منهم. يقولون تحت عنوان: «الديمقراطية». الديموقراطية تعني اختيار المواطنات والمواطنين لمن يمثلهم في البرلمان.. بتقديم مفردة المواطنات على مفردة المواطنين. وأظن أن معدي الورقة يعتبرون ذلك من التمييز الإيجابي لصالح المرأة وتعبير التمييز الإيجابي في الحقيقة مأخوذة من «سيداو» ومنقولة نقلاً أرعنَ وبدون تروٍّ.. وبدون تبصُّر.. وهذا التقديم هو خلاف العرف والعقل والدين واللغة فالقرآن يعطي نماذج كثيرة مثل المؤمنين والمؤمنات، والتائبين والتائبات والصائمين والصائمات والمتصدقين والمتصدقات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات... إلى غير ذلك من عشرات النماذج والشواهد ولو أن معد الورقة كان صادقاً مع نفسه أو أنه أكمل شعار السخف اللغوي إلى غايته لكان أحرى من أن يقول: «الديمقراطية تعني اختيار المواطنات والمواطنين لمن تمثلهن ويمثلهم في البرلمان ومن يحكمهن ويحكمهم بحرية كاملة ولهن ولهم الحق في تغييرهن وتغييرهم بعد كل فترة زمنية يحددنها ويحددونها في القانون» إلى آخر ما قال.. ولو أني أبحت لنفسي الاستمرار في كشف هذا السخف لجعلت من هذه الورقة أضحوكة ومسخرة أن هؤلاء «الجندرمة» مع كل هذا التخليط يمكنهم أن يعرفوا الحق ويقروا به.. وأسوأ ما في الأمر أنهم بعد الإقرار به يخالفونه ويتجاوزونه.. لأن الحق لا يتناسب مع الأجندة الأممية التي تعتمد على تقنية البطن والفرج.. لذلك نجد هؤلاء يدلسون ويدغمسون بل ويكذبون في كثير من الأحيان حتى يرضعوا الدولار الأممي التافه والقذر.