لعبت العقائد والمعتقدات والموروثات الثقافية المتراكمة دوراً كبيراً في تقدم ونشوء المجتمعات المسالمة والمتماسكة، وحققت الاستخلاف في الأرض، وأصبحت للأفراد رقابة ضمائرية تستمد قوتها من الإرشاد السماوي، بينما تراجعت شريعة الغاية في سيادة القوة، حتى ولو كانت غاشمة. المعرفة التراكيب والتعاليم السماوية نادت بشمولية الإنسانية، وكرامة الفرد، وتمتعه بالحقوق الإنسانية، أبرز تلك الحقوق الحفاظ على حق الحياة، فنزلت الآيات في القرآن الكريم تحرم إزهاق الروح إلا بحقها، وأن حرمان الإنسان من الحياة يعادل قتل الناس جميعاً، وفي الإنجيل والتوراة حرمت سلب حياة الأفراد، والجور على أرواح البشر، وذهبت المواثيق والعهود الدولية والدساتير القطرية في عالمنا اليوم، إلى تمكين حق الحياة للفرد والجماعة، مستلهمة ذلك في الوثيقة الدولية لحقوق الإنسان التي صارت مقياساً للتمدين وتقدم الشعوب والدول. الاستعدادات والترتيبات التي تقوم بها مفوضية نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج، وبالتعاون مع منظمة خديجة بنت خويلد الطوعية لتنفيذ مشروع البرنامج القومي التعبوي لحرمة الدماء، يعتبر هذا المشروع من المشروعات الحيوية والرائدة، المستهدفة للنفس والضمير، وتزكية المجتمع، واستنهاض القيم الدينية والإنسانية، لإرساء التسامح والسلام بين الأفراد وبين الجماعات، والمشروع المراد تنفيذه جاء في وقت يحتاجه المجتمع السوداني وبشدة، وللظروف التي تمر بعدد من مناطق السودان، سواء أكانت الآثار المترتبة عن حرب الجنوب وانفصاله عن الوطن الأم، أو الإفرازات التي نتجت عن الصراع والحرب في دارفور، والنزاعات القبلية التي تطاولت في تلك المنطقة، أم الحروب والقتال الذي يحدث الآن في منطقة جنوب كردفان والنيل الأزرق، هذه الحرب والنزاعات خلفت آثاراً سالبة في سلوك الأفراد، فانتشرت ظواهر القتل والاعتداء الدموي، والعنف المؤدي إلى الموت في المجتمع، ولأسباب صغيرة، وامتلأت النفوس بالضغائن والأحقاد، فأصبح القتل في بعض المجتمعات عملاً ميسوراً، وليس قصاصاً. التصدي لهذه الظاهرة لا يكون فقط بردع القانون وقهر الدولة، إنما في الأصل يكون باستنهاض وتجلية القيم الدينية، ورفع وعي الأفراد والجماعات بالرسالة الإنسانية في إعمار الأرض، وكبر التعدي على حق الحياة للأفراد، وسعياً لتعظيم حرمة دماء المسلمين والإنسان. إن البرنامج الذي أشرنا إليه والذي قطع شوطاً بعيداً في الإعداد والخطط من خلال اللجنة التحضيرية العليا التي يترأسها الدكتور زهير بله، وتضم في عضويتها قيادات مفوضية نزع السلاح صاحبة التجربة الناجحة في هذا المجال، ومنظمة خديجة بنت خويلد الطوعية، والناشطين في منظمات المجتمع المدني، وبالرعاية والتوجيه من السيد نائب رئيس الجمهورية الدكتور الحاج آدم يوسف الرئيس السابق للجنة العليا، فقد قامت اللجنة بوضع الخطة العامة والبرنامج التفصيلي لتنفيذ المشروع من خلال المناشط التعبوية المتعددة، ممثلة في الخطاب التعبوي القائم على مقاصد الدين الإسلامي والأديان السماوية والقوانين الوطنية والدولية والأعراف والموروثات الأخلاقية، التي تدعو إلى تحريم زهق الروح، وقتل النفس، ونبذ العنف بين أفراد المجتمع السوداني المسلم، وتعظيم حرمة الدماء لتحقيق مقاصد الشريعة والإنسانية، وذلك بغرض نشر ثقافة السلام في المجتمع، وإزكاءالمصالحات والتسامح، وفض النزاعات في مناطق الحروب والصراعات. ولتحقيق هذه الأهداف الشاملة فقد توجهت اللجنة العليا إلى الوسائل التي تتيح مشاركة المجتمع السوداني وتفاعله مع أهداف البرنامج، وتتركز الوسائل في التعبئة وحشد المجتمعات من مناطق النزاعات والصراع في دارفور وكردفان والنيل الأزرق، من خلال ملتقى الإسناد القومي بالعاصمة، والملتقيات التعبوية في عواصم وقري الولايات، التي تقوم على التواثق المجتمعي والدورات الإعدادية لقيادات المجتمعات المحلية، مثل الأئمة والإدارات الأهلية والمنظمات والدعاة والإعلاميين وذلك برعاية ولاة الولايات. إن المردود المتوقع لإنقاذ هذا البرنامج الخاص بحرمة الدماء سوف يكون عظيماً، خاصة إن التجربة المحدودة التي نفذتها مفوضية نزع السلاح والربح في بعض مناطق النزاعات، أسهمت في تذكية السلوك الاجتماعي، وتحقيق النتائج الجيدة، وفض النزاعات في تلك المناطق، ودعم ثقافة السلام والتعايش السلمي، وتحكيم الشريعة والقانون، والموروثات التي تحارب العنف من خلال الدعوة لحرمة الدماء، وحق جميع بني البشر في الحياة. ولله الحمد