- لقد شهدت الخرطوم في هذه الأيام معاناة جلب المياه وأن وجدت فإن الامداد ضعيف جداً واصبحت تأخذ من زمن الناس الكثير من سهر طويل، فأصبح الكل يتحدث عن الشبكات القديمة التي تحتاج إلى احلال وعندما تسألهم عن حل هذه المشكلة تجد أن البعض استعمل مياه الصحة للشرب ومياه الكارو للاغراض المنزلية الأخرى. - إن هذه المعاناة لا تزال ماثلة في معظم الأحياء ولم تحل مع أن هناك بعض الحلول الفردية لبعض السكان! - أما سكان «أطراف العاصمة» أهلنا البسطاء الطيبون للغاية يجلبون مياه الشرب من عربة الكارو فقط وانهم لا يعرفون مياه الحنفيات ابداً، كما ان بعض المنازل بها حنفيات ولكنها لم تجد بها ماء ابداً لهم وهذه المشكلة قد امتدت لاجيال، انهم يعرفون فقط صاحب الكارو «بارك الله فيه» ولا يعرفون مياه الصحة.. كما انهم لا يمتلكون المال الكافي لشرائها، بالاضافة لعدم توفر الخدمات الصحية بصورة مرضية. - هؤلاء الناس تتمثل معاناتهم في التلوث الدائم الذي امتد لسنوات جراء مياه الكارو غير معروفة المصادر وغير الآمنة في طريقة وصولها من براميل ملوثة والبعض الآخر تمكن منه الصدأ بالاضافة لاختلاط هذه المياه بالمخلفات الانسانية والبكتريا والفطريات والفيروسات والطحالب. وقد تكون ايضاً مختلطة بمياه الترع والمصارف. - هذا واقع الحال الآن عندهم، مياه ملوثة يتم شربها وغسل الخضروات والاستعمالات الأخرى بها. - هذه المياه الملوثة اصبحت مصدراً للنزلات المعوية، بالاضافة للدسنتاريا الاميبية والشقيلا والاسهالات المتكررة والتيفؤيد وهذه الاسهالات قد تكون شديدة وتسبب الجفاف وقد تصل إلى الفشل الكلوي. - ايضاً التهاب الكبد الفيروسي «أ» المعروف «بالصَّفير» الذي ينتقل ايضاً بالمياه الملوثة وينتشر بصورة وبائية. - ولكم ان تعلموا ايضاً أن فيروس الشلل «شلل الأطفال» ايضاً ينتقل عن طريق المياه الملوثة.. ويتكاثر هذا الفيروس في الجهاز الهضمي للطفل المصاب ويخرج مع البراز، فيسهل نقل العدوى عن طريق الذباب أو المياه الملوثة، كما ان هناك ايضاً فيروس الكوكساكي الذي قد يصيب عضلة القلب ويسبب امراضاً بالاضافة لشلل العضلات، الالتهاب الدماغي.. الخ. - كما ان الاستحمام بالمياه الملوثة قد يؤدي إلى الالتهابات في ملتحمة العين والالتهابات الجلدية «بكتريا وفطريات». - هذه المعاناة تذكرني قصص الأمهات اللائي اعتبرن اقامتهن شبه دائمة في عنابر الاطفال في المستشفيات بسبب سوء التغذية والاسهالات المتكررة ولقد كنا نسألهن سؤالاً تقليداً جداً «بتجيبوا موية الشراب من وين.. وعندكم مواسير في البيت؟».. وكانت اجابتهن «لا.. بنشرب موية الكارو»! - مياه الكارو كانت السبب الأساسي في معاناة هؤلاء الأمهات، وذلك بسبب النزلات المعوية والاسهالات المتكررة التي قد تؤدي بحياة طفل أو اثنين من اطفال الأسرة في لمح البصر.. ولكنهم لا يعرفون طريقة الشكوى ولا مياه الصحة!.. انهم سكان اطراف العاصمة، لا يعرفون كيف يصلون للمسؤولين ولا يعبرون عن استيائهم.. فلهم رب كريم! - كما أن هذه الأيام هناك حالات كثيرة للتيفؤيد في جميع السودان كما ان هنالك ايضاً مقاومة للعلاج واصبحت مثل الأمراض المزمنة والسبب كله التلوث في المياه الذي قد يمتد ليشمل الاطعمة وغيرها، كما ان ندرة المياه وانعدامها تجعل استخدام الفرد للحمال والتخلص من الفضلات الانسانية غير صحي وهذا يؤدي إلى التلوث بصورة عامة ثم تفشي الأمراض والاوبئة. - من هنا اناشد المسؤولين في الدولة لحل مشكلة المياه حلاً جذرياً وخاصة وان فصل الصيف يحتاج إلى وفرة في المياه بجوه الحار وشمسه اللاسعة. - ولو انه تم انشاء مصادر مياه نظيفة وآمنة، لوفرنا مليارات الجنيهات التي تصرف على العلاج جراء الأمراض التي تنجم من تلوث المياه.