وما زلت بين يدي الأحبة الإسلاميين الذين اكتسحوا الانتخابات المصرية.. وما زلت أقدم لهم الهدايا والعطايا والبرامج.. وخارطة السير في ذاك الطريق الشائك الحافل بالمطبات الرابضة في دغله الأبالسة والوحوش والشياطين.. وما زلت أقدم لهم تجربتنا.. تجربة أخوانهم الإنقاذيين والتي نضجت تحت نيران هادئة وأحياناً لها لهيب وضرام لاثنتين وعشرين سنة وتزيد.. وكنت أود أن أحكي لهم «مسيرة» أخوتهم هنا في السودان.. بالتفصيل الممل.. ولكن «ما شاء الله» فقد وجدناهم يتقفون الإنقاذ الخطو بالخطو ولا عجب فهم من شربوا من نهر واحد نهر «الإمام البنا».. وها هم يفترعون أول أيام حكمهم.. بالقضايا التي كانت حلماً في صدورهم طيلة عهد ناصر وكل أيام الطاغية مبارك.. فقد كنت واهماً وغشيماً عندما تصورت أن القوم وبعد أن منّ الله عليهم بذلك الاكتساح.. والسيطرة التامة على كل أو جل مقاعد مجلس الشعب.. أنهم سوف ينصرفون تماماً إلى أمهات القضايا.. كان ظني واعتقادي أن أول حائط عليهم اجتيازه هو اتفاقية السلام.. كامب ديفيد مع إسرائيل.. وكنت أعتقد أن علاقة مصر مع أمريكا.. وتلك المساعدات العسكرية والغذائية سوف تكون على رأس الأولويات.. كيف لا وأمريكا ظلت على الدوام ترسل ملايين الأطنان من القمح لمصر وبالمجان.. كنت أظن أنهم سوف يعرفون أهوال ومصاعب تواجه كل من تصدى لحكم مصر.. كنت أظن أنهم سيعلمون الفرق بين الهتافات والأحلام المجانية وأنت في المعارضة وتلك التي تقلق منامك وأنت في قمة المسؤولية وإدارة شؤون الدولة.. كنت أظن كل ذلك حتى فاجأتنا الجماعة بمعركة إطلاق اللحي.. فها هي القاهرة صحفاً ومنتديات وجماعات.. وأحزاباً ومثقفين.. يتعاركون ويتقاتلون قتال الوحوش.. وينقسم مجتمعهم إلى فريقين.. أحدهم يطلب وفوراً أن يطلق أفراد الشرطة اللحية.. وفريق يرفض ذلك في صرامة وحديدية.. والآن أدركت أن هؤلاء «الجماعة» هم تماماً مثل «جماعتنا».. لذلك قررت أن أواصل الهدايا.. المتعلقة بأي شيء غير «عيشة» المواطنين.. وأمن المواطنين.. وهموم المواطنين.. وكنت بالأمس قد تحدثت عن الإعلام وخطره.. والإذاعة وخطورتها.. والتلفزيون وتأثيره الرهيب.. والهدية اليوم هو أن ينتبه الأحبة الأخوان جيداً إلى التلفزيون الذي استعمر الناس وجعلهم يتعلقون به تعلقهم بالحياة.. هنا عليهم أن ينتدبوا له أكثر الأخوان تزمتاً ليجلس على رأسه وأن يبدأ بذبح كل «الكلام الفارغ» المموسق المنغم الذي صدح ويصدح به الفنانون.. متخذاً شعار لا كبير على سيادة فاضل الأخلاق وكريم السجايا.. لا يهم أن توقف أغاني «حافظ» وفريد الأطرش.. وهاني شاكر إذا خدشت تلك الأغاني الحياء العام.. وتسللت من بين كلماتها الفاحشة والبذاءة وفاسد الأخلاق.. أيضاً لا يهم إن أحرقت كل أغاني كوكب الشرق أم كلثوم خاصة تلك الأغنية التي تقول.. «هات إيديك تسعد بلمستهم إيديا.. هات عينيك تسرح في دنيتهم عينيا..» بالله ده كلام.. هذه مصافحة «عديل» وإلا كيف تكون المصافحة.. هذا عن الغناء.. أما الدراما.. فهذه معركة القرن.. بل هي أم المعارك.. لأن «الأخوان» سوف يواجهون نجوماً ظلت تحتكر وتتربع في قلوب وعقول ووجدان الشعب لأكثر من ثمانين سنة.. غير أنها متمرسة في فن الالتفاف واختراق كل حواجز وحوائط المنع ومقصات الرقابة.. لا تستمعوا إلى الذين يقولون.. إن أبطال ونجوم المسلسلات هم من أجبروا العالم العربي كله على التحلق حول التلفزيونات لمشاهدة حضارة مصر.. وإنسان مصر وريادة مصر.. وإنها تجلب ملايين الدولارات لخزينة مصر.. لا تستمعوا لهؤلاء مطلقاً.. واعلموا أنكم جئتم ببرنامج ليست به صفحة أو كلمة واحدة عن ثقافة أو فنون.. أو غناء.. أو تمثيل.. وكان الله في عونكم في ورطتكم هذه.