وما زلنا معك يا فارس.. بل ما زلنا مع مواطنك الذي تساءل مشفقاً على الأحبة في مصر.. وإذا كانوا سوف يصبحون مثلنا تحت حكم الأخوة الأخوان المسلمون بعد اثنتين وعشرين سنة.. وما زلت مغمضاً عيني مستوعباً باعتبار ما سيكون صورة مصر بعد أن تعيش عمر الإنقاذ وها هم الأحبة في حزب الحرية والعدالة يلتفتون إلى (مصر للطيران).. حيث سيتم بيعها إلى شركة (صارف) الاكوادورية.. تلك الشركة التي ينحصر نشاطها في التعامل بالصرافة والمال والتحويلات.. ثم (يفرتق) الأخوان القطاع العام صامولة صامولة.. يبيعونه بثمن بخس لأثرياء القطاع الخاص.. وعندها سوف يصبح الدولار بستة آلاف جنيه مصري بعد أن تسلموه من الطاغية مبارك وهو يساوي.. بل يوازي ستة جنيهات فقط.. ويا لبؤسي (البنطلونات والقمصان) وجيوش (الرقع) تندفع إليها كما يندفع السيل مع علٍ.. عندها سوف تصبح (الرغيفة) بمائتين وخمسين قرشاً.. قفزا بالزانة وحرقاً لمراحل ثمنها اليوم الذي يساوي خمسة قروش. ونذهب إلى العلاقات الخارجية.. ستكون القاهرة حضناً وحصناً وملاذاً للمقاتلين والمناضلين من الأشاوس العرب الذين يرفضون الصلح والاعتراف والحوار مع إسرائيل في حديقة الأزبكية.. سوف تنهض دار واسعة الأرجاء.. فخيمة البناء وحديقة وارفة الأشجار.. تحفها الأزهار.. تشمخ في رحابها شاهق الأشجار المثقلة بالثمار.. ولافتة مضيئة بالأنوار الخضراء تعلن أن هذه الدار هي مجلس الصداقة الشعبية الإسلامية.. تكون حصراً وحكراً لكل مقاتل ممانع يرفض التطبيع مع إسرائيل.. ثم تعلن الحكومة الإسلامية المصرية الحرب كلاماً ضد أمريكا وكل دول الاستكبار من الصليبيين والصهاينة.. كل ذلك جهراً.. وفي (الرادي والخطب الحماسية).. ولكن (سراً).. وتحت تحت.. تمضي العلاقة سلسلة ناعمة هامسة ومنسابة وكأنها علاقة ابن زيدون مع ولادة بنت المستكفي.. ولا ننسى أن حكومة الأحبة الأخوان سوف تنفض يدها من المعاهدة اللعينة.. معاهدة الذل والاستسلام (كامب ديفيد) مع إسرائيل.. ولا مانع إن كان الثمن (نكسة) أخرى.. ولا يهم إن توقفت أمريكا من إيقاف شحنات القمح المجانية لتعود أمريكا مرة أخرى لرمي القمح في البحر وتذهب إلى (ماسبيرو).. وهو اتحاد الإذاعة والتلفزيون ينصب الأخوة الأخوان على هذا الجهاز.. مولانا محمد عبد القدوس.. ذاك المتزمت الذي تنكر ورفض قصص والده إحسان وفي قلبه شحنات من الغضب على (حبوبته) فاطمة اليوسف.. ليشهر مدية التطهير يذبح بها كل شدو بديع سال شلالات من العسل من حنجرة أم كلثوم.. وتدفق لحناً روياً من قيثارة عبد الوهاب.. وتفتح أزهاراً في حدائق عبد الحليم حافظ.. يذبح كل ذاك الجمال من الوريد إلى الوريد بدعوى أن هذا حرام.. حرام.. وكيف لهؤلاء أصحاب الأيدي المتوضئة أن يسمحوا للسيدة أم كلثوم أن تصدح وتشدو (هات ايديك ترتاح للمستهم ايديا).. وهذه مصافحة تستوجب الوضوء.. أما عن الدراما أكاد أرى بعيوني الرحيل الفاجع الحزين لعادل إمام.. وسمية الخشاب.. وفردوس عبد الحميد ومحمد فاضل.. وإسماعيل عبد الحافظ.. وسماح أنور وكل تلك النجوم والأقمار.. ترحل إلى (بيروت) بلا عودة.. لينثروا وينشروا إبداعهم ومسلسلاتهم وأفلامهم ومسرحياتهم من هناك.. إلا إذا التزموا بشروط مولانا محمد عبد القدوس.. وأول شروطه أن لا تدخل المرأة المطبخ ومعها كاميرا تصوير المسلسل إلا إذا كانت محتشمة تماماً (جلباب) يغطي حتى الكاحل.. وطرحة بطول ثلاثة أمتار.. وأكمام الجلباب طويلة تلامس حتى الأصابع.. من أرادت أن تقوم بأدوار التمثيل بهذه الشروط على الرحب والسعة.. وإلا فالباب يفوت قطاراً إلى دبي أو دمشق أو بيروت.. نعم يا صديقي فارس.. ويا حبيبي المواطن.. ولكني نسيت شيئاً مهماً وخطيراً.. أن هؤلاء الأحبة سيطبقون كل هذا في حزم وغلظة وصرامة لتنقية المجتمع.. وإشاعة للفضيلة وتزكية للأمة.. ولكنهم لن يترددوا لحظة واحدة في قبول كل القروض الربوية.. لأن لهم هيئة علماء تدير لهم أسطوانة محفوظة.. تنطلق متى ما لمس الأحبة زرها.. لتعلن أن الضرورات تبيح المحظورات!!