كنت أحد المدعوين في حفل استقبال خاص لوفد دولة جنوب السودان الزائر، دعا له السيد جمال الوالي في منزله بالخرطوم، مساء الخميس الأول من أمس. مستوى تلبية الدعوة كان عالياً ولا نحسب أن أحداً وصلته الدعوة قد غاب عن تلبيتها لعظمة لمناسبة والحدث، وربما إشباعاً للفضول سعياً وراء معرفة ما دار في لقاءات الأمس، أو ما دار في اللقاءات التي سبقتها في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، مستوى تلبية الدعوة الخاصة، كان يكشف مستوى الاهتمام بالزيارة، فقد شارك السيد عبدالرحمن الصادق المهدي مساعد رئيس الجمهورية، والسيد علي كرتي وزير الخارجية، ووزراء ووزراء دولة ومدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني، ورموز سياسية وحزبية وصحفية وإعلامية، وغنى الفنان الكبير عبدالكريم الكابلي غناء جميلاً رش عطر الطرب في تلك الليلة، وإن كان قد بدأ برائعة الشاعر تاج السر الحسن (آسيا وأفريقيا) التي تبدأ ب :- عندما أعزف يا قلبي الأناشيد القديمة ويطل الفجر في قلبي على أجنحة غيمة سأغني آخر المقطع للأرض الحميمة للظلال الزرق في غابات كينيا والملايو لرفاقي في البلاد الآسيوية للملايو ولباندونغ الفتية لليالي الفرح الخضراء في الصين الجديدة والتي أعزف في قلبي لها ألف قصيدة وهكذا يعيد الكابلي الخرطوم إلى أجواء الستينات ثورات التحرر الأفريقي وآمال الشعوب التي تختلف على كل شيء وتتفق على أمرين هما الحرية والوحدة.. ولكن هيهات.. إنها أحلام شعوب.. تبخرت. رغم حديث المجاملات، ومفردات الإخاء المشترك في (السودانيين).. إلا أن إحساساً غريباً سيطر على الكثيرين- وكنت قطعاً منهم- دفع به إلى ثورة الشعور ذلك الانقلاب المفاجيء في مواقف الأفراد والدولة بجمهورية جنوب السودان!!.. وتساءلتُ وربما غيري تساءل عن (السر) و(الدافع) وراء ذلك التغيير(؟).. هل هي خطة لاستدراج الرئيس البشير إلى فخ الجنائية الدولية المزين بالنوايا الجنوبية الطيبة (؟). جُدُر الشك والريبة لم تزل قائمة بين (الخرطوم) و(جوبا).. ورغم إيماننا بضرورة التطبيع بين الدولتين لصالح المواطن في كليهما.. إلا أن التعامل بمبدأ الحيطة والحذر واجب. لا نطالب بإلغاء القمة المرتقبة بين الرئيس عمر حسن أحمد البشير وبين الرئيس سلفاكير ميارديت.. لكننا ندعو لإزالة الشكوك القائمة بين البلدين أولاً من خلال اللقاءات المتتابعة للمسؤولين دون مستوى الرئاسة.. وأن تحتضن القمة عاصمة أفريقية مقبولة لدى الطرفين.. ونقترح أن تكون أديس أبابا لعدة أسباب.. أهمها اهتمام رئيس الوزراء الأثيوبي ميليس زيناوي بملف العلاقة بين السودان ودولة جنوب السودان.. ثم علاقته الشخصية القوية بالرئيسين البشير وسلفاكير.. ثم ثقة الآخرين فيه وفي الدور الأثيوبي.. وأخيراً حتى يكون كل طرف واثقاً من وجود ضامن لأي اتفاق حتى لا يتم النكوص أو التراجع عنه.. إبداء مظاهر الود والترحيب مطلوبة لكن أن تتحكم العواطف في اتخاذ القرارات.. فذلك أمر خطير.. لأنه من الحبّ ما قتل.. ولا نريد أن نردد ما قاله شاعرنا الكبير محمد علي أبو قطاطي على لسان الراحل محمد وردي: *** براي سويتا في نفسي قلبي الحبّ ما واعي عشف زولاً مجافيهو وما كان للحصل داعي *** ونختم بالشكر الجزيل للسيد جمال الوالي لجهده ونواياه ومواقفه.. ونختم أخيراً بأبيات شعر عربية تضوع الحكمة وتفوح من ثنايا مفرداتها الجزلة وهي:- *** لا تيأس وإن طالت مطالبة إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب أن يلجا قدر لرجلك قبل الخطو موضعها فمن علا زلقا عن غرة زلجا ولا يغرنك صفو أنت شاربه فربما كان بالتكدير ممتزجا اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد.