من الأدوار التي يضطلع بها مجلس الصداقة الشعبية العالمية توطيد وبناء جسور التواصل والترابط مع الشعوب وتعزيز وتمتين العلاقات فيما بينها في إطار الدبلوماسية الشعبية، والتي من خلالها يتم تحقيق الأهداف وتبادل المنافع والمصالح المشتركة بين البلدان، وفي ظل هذه المعطيات يتبادر إلى ذهني دوماً الشاعر العظيم د. تاج السر الحسن وقصيدته العصماء «آسيا وأفريقيا»، وبالتمعُن في مفرداتها نلمح أنها تدعو إلى السلم والإخاء والتآلف والتآذر بين الشعوب وترسخ لمبادىء وقيم الدبلوماسية الشعبية في ذلك الوقت المبكر من الزمان في فترة الستينيات من القرن الماضي، إذ أنها نظمت إبان إنعقاد مؤتمر «باندونج» الشهير بأندونيسيا الذي ضمّ مجموعة من الدول العربية والأفريقية والآسيوية، فقد طوّف بنا الشاعر في عدد من المدن والعواصم والحواضر كما تضمنت أسماء لشخصيات ورموز من الساسة والقادة والزعماء والرؤساء وأيضاً الشعراء والمفكرين عندما أعزف يا قلبي الأناشيد القديمة ويطل الفجر في قلبي على أجنح غيمة سأُغني سأُغني سأُغني آخر المقطع للأرض الحميمة للظلال الزرق في غابات كينيا والملايو لرفاق في البلاد الآسيوية للملايو ولباندونج الفتية د. تاج السر الحسن من الشعراء الأفذاذ يتسم شعره بالرصانة والسلاسة ورقة الأسلوب وأناقة المفردة وهو ينتمي إلى المدرسة الشعرية التي تخرج فيها الشاعر محمد عبد الحي وعبدالرحيم أبو ذكرى وغيرهما وبالرغم من أصالة شعره وجودته لم يجد حظاً وافراً في التلحين والغناء إلا من هذه «آسيا وأفريقيا»، وقد أضف عليها المطرب الكبير د. عبد الكريم الكابلي حساً جمالياً راقياً وشفيفاً أنعم عليها لمسات الشهرة والخلود والإبداع، وأذكر أن رئيس الوزراء الجزائري عندما حضر إلى السودان في زيارة رسمية في أواخر القرن الماضي إستمع إليها من على خشبة المسرح القومي بأم درمان فلم يلبث إلا أن يقف وينحني إجلالاً وإكباراً لها والمقطع الذي يقول: إنتي ياغابات كينيا يا أزاهر يا نجوماً سمقت مثل المنائر ياجزائر هاهنا يختلط القوس الموشى من كل دار من كل ممشى نتلاقى كالرياح الآسيوية كأناشيد الطبول المغربية وبالتنقل في مقاطعها وأبياتها ندرك أن للشاعر قراءة خاصة ورؤية عميقة تنبىء بمستقبل العلاقات السودانية المصرية وهي تمر الآن بمراحل متقدمة من الأخوية والصفوية والحميمية مصر يا أُخت بلادي يا شقيقة يا رياضاً عذبة النبع وريفة يا حقيقة مصر يا أُم جمال أُم صابر ملء روحي أنت يا أُخت بلادي سوف نجتث من الوادي الأعادي «آسيا وأفريقيا» عمل متميز بكل المقاييس والمواصفات ويُعد مفخرة الغناء السوداني ويمكن أن نضاهي به أضخم الأعمال العربية، فإذا كانت أُغنية «الجندول» للشاعر المصري علي محمود طه «المهندس» التي تغنى بها الموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وايضاً د. كابلي قد بلغت ذروة الإبداع والذيوع والإنتشار في العالم العربي فإن «آسيا وأفريقيا» لا تقل عنها قيمة فنية ولحنية وأدائية وجمالية، فهي أُغنية المحافل بل جوهرة صدرها وواسطتها وينبغي أن تتخذ «شعاراً» في المنتديات والمؤتمرات والملتقيات إذ أنها جمعت فأوعت هذه «الملحمة» وصنواتها جمعها في ديوان اختار له اسم «القلب الأخضر» نقتطف منه هذه المقاطع التي صيغت بعنوان «الأمل» وهي نفسها تنبض بالأمل والتفاؤل والحب والإشراف والجمال. ينبوع على الصخر في قلب الصخر أحياناً يتفجر الينبوع وعلى الصحراء تمتد الغابة ظلاً وفروع وتسير القافلة العطشى نحو الغاب ويعود الغرباء إلى أرض الأحباب أثناء تواجده في «روسيا» حيث كان يتلقى دراساته العليا بتحث به الأشواق وتداعت الخواطر والذكريات فأشعلت في نفسه الشجن والحنين إلى أرض الوطن فأنشد.. بلادي الخضراء كالطيوف جزائراً في الحلم يا حبيبي تطوف ساقية طفل في أعوادها يدور طفل صغير أيقظته الأم في البكور سعفات النخيل في الصباح ورثة العصفور وظل تمساح على الجزائر الصغيرة وأُختي الطفل في أكتافها ضفيرة تلعب في الحقول عند ساعة الظهيرة وتنداح مشاعره المترعة بالحُب والعشق والدفء إلى ديار الأهل والعشيرة والحبيبة في كردفان خاصة مدينة النهود مرتع الصبا والشباب كردفان يا ربوع يا أزاهراً تضوع قد خضّر الخريف في واديك الجذوع لا تحسبونا نُقير الأشواق والحنان لا تحسبونا نجهل الأيام والأخوان فقد رسمنا في قلوبنا سهول كردفان مدرستي الشرقية جدرانها مثل السنا زاهية فضية أذكرها مخضرة الأسوار في الخريف بقلبها شجيرة تتابع الحفيف أنا ليَّ رفاق ثلاثة نعيش في صِبا وإنطلاق يعتقد الجميع إننا توائم لا فرق بيننا في الشكل والعمائم «القلب الأخضر» ليس بمنأى عن ما يدور في ساحة الوطن وقضاياه الفكرية والسياسية.. فقد كان في «قلب» الأحداث عند إندلاع ثورة اكتوبر «الأخضر» فكتب متفاعلاً اكتوبر كان صباحاً مدّ ظلال الأضواء في عالمنا هذا الجاش في عتمات الظلماء.. اكتوبر هذا شعارات هزت أعراش الأعداء.. الجوع الأسود لن يبقى.. لن يبقى ليل البؤساء.. كنذير العاصفة الهوجاء تحدّر من كل الأرجاء..