بالرغم من الدخان الكثيف الذي غطى مساحة كبيرة من الساحة السياسية الجنوبية، بعد ظهور نتائج الانتخابات، وتكوين حكومة الجنوب، الدخان ملئ بتصريحات بعض الساسة الجنوبيين، غلاة الانفصال ومحاولاتهم لاقناع رجل الشارع الجنوبي بالاتجاه نحو التصويت لصالح الانفصال.. إلا إن وعي المواطن الجنوبي بمزايا الوحدة والمفاضلة للعيش سوياً مع أخيه الشمالي، جعل من الأصوات العالية في انخفاض دائم، خاصة بعد الجهود المكثفة التي تبذل الآن من تعبئة لصالح الوحدة، والمشروعات الجديدة التي رأت النور، والتي تحمل في أهدافها خدمة المواطن الجنوبي، أولاً وأخيراً، انقشع الظلام وظهرت شعاعات من نور، وبدا يسطع رويداً لينير طريق الوحدة. إن المتابع لما يجري على الساحة السياسية الجنوبية الآن، يدرك تماماً أن فكرة الانفصال تخيم على عقلية بعض الساسة الجنوبيين، لأطماع شخصية، والجري نحو مناصب ومواقع قيادية ليس إلا.. إذاً فما معنى أن معظم الآراء الجنوبية من قطاعات واسعة في الساحة الجنوبية ينبذون فكرة الانفصال، وتقييد حركتهم نحو الشمال، علما بأن مليون جنوبي بأسرهم وممتلكاتهم يعيشون في ربوع الولايات الشمالية، أسوة بأخوانهم الشماليين، الذين تطبعت حياتهم مع المناخ الجنوبي، وتربطهم رابطة المصاهرة وأجيال من الجانبين تتحدث عن ذلك اليوم. الآن أن قطاعات كبيرة من هنا وهناك أدركت تداعيات ومخاطر الانفصال، وما يمكن أن يجلبه من خسائر وأضرار للسودان عامة والجنوب بصفة خاصة، لأن هناك تاريخاً طويلاً، لايمكن مسحه بجرة قلم، وعبارة تعكس مفهوم الانفصال والاتجاه نحو المجهول، وضبابية المصير.. نعم هناك مخاوف من الانفصال، والفترة المتبقية للاستفتاء ليست كافية بالنسبة لحسابات الواقع، والترتيبات اللازم عملها، لإحداث الاستفتاء وكلها ترتيبات لازمة، وإذا ساءت الأحوال وجاءت نتيجة الاستفتاء لصالح الانفصال- وهذا لا يمكن أن يحدث في ظل وضوح رؤية كاملة وشفافة في عملية الاستفتاء- فالجنوبيون يرفضون العودة الى عهود التيه والظلام، وسيطرة المستعمر والعنصر الأجنبي، بحجة التنمية وتطوير الحياة الجنوبية؛ لأنه في عالم اليوم أصبحت تنمية الدول وتقدمها مرهوناً بكوادرها المؤهلة، وعدم الاعتماد على العنصرالأجنبي. نعم الحذر واجب، وتوخي الدقة والاحتياط مطلوب، في مسألة حيوية كالحالة الجنوبية، (خلق دولة جديدة)، والكل يعرف أن المخاطر والمهددات تحيط بالبيئة الجنوبية من كل جانب، عدا الجانب الشمالي، فاحتمال نشوب حروب ومعارك من دول الجور وارد، طمعاً في ثروات الجنوب، وأراضيه الخصبة الشاسعة، وثروته المائية غير المستغلة، كذلك هناك مخاطر الحروب الداخلية، والقبلية محتملة الحدوث بين الحين والآخر، لذا فإن الوحدة خير شعار يرفعه الجميع، ليكون السودان قوياً، مع احترامنا لرغبة أخواننا في الجنوب، والشواهد السياسية الأخيرة تؤكد أن الغالبية مع الوحدة وليس مع الانفصال. عموماً على الساسة الجنوبيين أن ينظروا لأرضهم بمنظار وطني، ويقرأوا تجارب الآخرين، وهناك أمثلة كثيرة تعطينا دروساً، وهي حالات انشطارات بعض الدول، وكيف كانت التداعيات والمخاطر مدمرة للوطن، بل جلبت الكثير من المشاكل التي ما زالت تعاني منها هذه الدول حتى الآن.. هذا فضلاً عن تأخير عملية التنمية، والتقدم والازدهار، بالرغم من وجود الثروات.