واليوم نهدم كل الجدر.. نشابي لي النجوم.. نحرق كل المراحل.. لا نمر مطلعاً.. بمديري المكاتب.. ولا نغشى مباني أي سكرتارية.. نقفز بالزانة.. ندلف مباشرة الى مكتب السيد رئيس الجمهورية.. نقول للسيد رئيس الجمهورية.. ليتك قبلت إستقالة السيد المهندس عبد الوهاب عثمان.. ونقول في إصرار.. لقد أضعت يا سيدي الرئيس فرصة تاريخية.. كانت ستعود عليك وعلى الوطن بخير كثير.. وحصاد وفير.. وما زال في الوقت متسع.. وما زالت الأجواء مشحونة بالغبار.. بل ما زال الدخان- دخان- الأزمة عالقاً في الفضاء.. وقطعاً سوف تسألنا سيدي الرئيس عن «أصل المسألة».. بل ربما طالبتنا بإيضاح مرامينا.. وأسباب دعاوينا.. وهنا فقط نقول: أولاً: لا شيء نعرفه.. بل لأكون أكثر دقة- لا شيء أعرفه عن المهندس عبد الوهاب عثمان.. غير أنه من القلائل.. والقلائل جداً في كل حكومات الإنقاذ منذ صرخة ميلادها.. بل منذ انطلاق عاصفتها- من القلائل الذين يعملون.. ولا يتحدثون.. لم نشاهده أو نسمعه وهو ينفخ في المكرفونات أمام الحشود والمسيرات والتظاهرات.. وهو ليس من قبيلة أو «عينة» بعض «الأخوة» من قادة الإنقاذ.. الذين ما برحوا.. وما طفقوا.. وما انفكوا يهدرون آناء الليل وأطراف النهار.. عند كل صباح وفي كل مساء.. هي لله هي لله - لا للسلطة ولا للجاه.. أنا شخصياً لم أسمعه مرة واحدة.. وهو يهتف.. ما لدنيا قد عملنا.. فقد كان الرجل يعمل في صمت.. لا ينطق بحرف واحد أمام عدسات الكاميرات.. أو خلف المايكات.. بل كانت تنطق أفعاله.. أعمالاً وطرقاً وجسوراً ومباني ومنازل. ثانياً: رجل بهذه المواصفات.. كان جديراً بأن يتمتع ببريق ووهج تلك الاستقالة، التي ما عرفها شعبك يوماً من أي وزير طيلة اثنين وعشرين سنة وتزيد.. وبكل أدب وتهذيب.. نقول إن رفضك للاستقالة.. قد اطفأ شعلة الاستقالة المتقدة.. وأطفأ ذاك البريق المشع.. ورسم ظلالاً على لوحة الاستقالة الفاتنة. ثالثاً: إن قبول الاستقالة كان يعني.. إن المهندس عبد الوهاب قد هدم صنماً كان اسمه التشبث حتى الموت.. بكرسي الوزارة.. يكون قد دلق ماءً بارداً على وجوه بعض «أخوانه» من الوزراء.. الذين ظنوا إنهم فيها خالدون مخلدين.. حتى اللحد.. يكون قد اختط درباً لم يسبقه عليه أحد.. يكون قد قدم درساً وهو القدرة على مفارقة جنان الوزارة.. يكون قد قدم درساً يتعلم منه «إخوانه» في التنظيم معنى الاعتراف بالخطأ.. والاستعداد على تحمل أوزار ونتائج أي خطأ، أو أخطاء يكون قد ارتكبها أي من العاملين تحت رئاسته.. يكون قد وهبك سانحة تاريخية لتقول «بقلب قوي» لكل مقصر أو مخطيء في الحكومة.. عليك بفعل ما فعله عبد الوهاب- أي الاستقالة- يكون قد فتح كوة تتسلل منها أشعة جديدة.. تنعش الأمل في نفوسنا، وتحيي الرجاء في قلوبنا، التي «قنعت باطن وظاهر» من اكتحال عيوننا بنص مكتوب يتلوه مسؤول وكلمات محددة تقول «لقد اخطأت اخطاءً فادحة في الأمر كذا أتحمل مسؤوليتها كاملة وعليه اقدم استقالتي مع أكيد اعتذاري لكل الشعب السوداني».. وبذا يكون المهندس عبد الوهاب قد أعادنا مرة أخرى «لنلم» بأطراف العالم المتقدم والمتحضر، والذي فيه استقالة ارفع المسؤولين أهون من شربة ماء، عند حدوث خطأ يتضرر منه الوطن وشعب الوطن. سيدي الرئيس.. قبل سنوات قليلة.. تقدم وزير المواصلات الألماني باستقالته بعد تصادم قطارين، علماً بأن الوزير المعني لم يكن قائداً لأي من القطارين.. ولم يكن «عطشجياً ولا عامل للفرملة.. ولا ناظر محطة.. ولكن استقال الرجل لأنه أطمئن على أن الواجب الأخلاقي يأمره بالاستقالة. سيدي الرئيس: كل الذي تقدم كان خلاصة تأملي في النصف الممتليء من الكوب.. أما النصف الفارغ من الكوب يزمجر ويدمدم بعواصف من الأسئلة.. وطوفان من علامات الاستفهام.. وسيول من الدهشة.. وأمطار من العجب.. ترفرف راكزة في «قعر» الكوب رايات ترفرف منها راية الأهمال.. وأخرى راية لعدم الكفاءة.. وثالثة محفور على ديباجتها التسيب.. وراية مسكينة أخرى تعلن «قلة الحيلة». سيدي الرئيس: مرة أخرى سانحة تاريخية بل ماسية أرجوك في الحاف والحاف أن تهتبلها.. وهي متابعتك- شخصياً - ولا أي «واحد« غيرك متابعة أعمال لجنة التحقيق، لأن الخطب جلل والفضيحة تصرخ بأعلى صوتها، والأمر قد ارتجت له اركان الدولة رجاً، وهو تأجيل افتتاح المصنع بعذر بالغ السذاجة والقبح، وأقول فضيحة لأن الذي علم بها ليس نحن الذين بات لا يدهشنا حتى العجب نفسه، ولكن لأن أرفع شخصيات ضيوفه كانوا ضيوف البلاد الذين كانوا أهم شهوده - بالله عليك سرع عجلات هذه اللجنة، حتى نضع خطاً فاصلاً بين الجد واللعب، ولم يكن أمر التأجيل غير بعض من اللعب. لك التحايا...