حديث المدينة الرفض..!! عثمان ميرغني (الرئيس يرفض استقالة وزير الصناعة).. اقرأ هذه العبارة جيداً .. فقد وردت أمس في صدر الصفحة الأولى ل(14) صحيفة .. من أصل (18).. صحيفتنا (التيار) – كعادتها- تصوب ال(المانشيت) بدقة. فاختارت (وحدها!!) دون كل الصحف الأخرى.. العبارة التالية (استقالة وزير الصناعة).. ثلاثة كلمات فقط بخط كبير.. ولم يظهر في (مانشيت) التيار أي إشارة لرفض رئيس الجمهورية الاستقالة.. رغم أننا أوردنا (الرفض) في متن الخبر.. أتعلمون لماذا ؟؟ في تقديري - مع اعتذاري إن كان في الأمر إطراء للصحيفة التي أعمل فيها – أن خبر استقالة وزير الصناعة والمعالجة الصحفية (بل والإعلامية عامة) له يجب أن تكون موضوع ورشة عمل.. هل كان من الحكمة حجب الخبر عن الإعلام تماماً؟ هل كان من الحكمة أن يصدر القصر الجمهوري (خبر!!) رفض رئيس الجمهورية للاستقالة في نفس اليوم.. لتتزامن مع خبر الاستقالة.. بالمعايير المهنية الصرفة.. (رفض!) السيد رئيس الجمهورية للاستقالة ليس خبراً.. الخبر هو في (استقالة) الوزير.. ف(الرفض) هو ليس أصل الخبر.. لأنه لو لم تكن هناك (استقالة) لما من كان الأصل هناك (رفض).. بل.. وهو الأهم.. ربما يبدو خبر (رفض) الاستقالة.. كأنما هو (معالجة إعلامية!!) من القصر الجمهوري لتقلل أثر الصدمة.. وامتصاص ألق (استقالة!) الوزير.. فلو صدرت صحف الخرطوم في صباح اليوم التالي تحمل (مانشيت) استقالة الوزير وحده.. فإن الخبر يطير إلى عنان السماء وينفرد بالأثير الجماهيري والجاذبية الشعبية وحديث المجالس.. ويحقق للوزير عبد الوهاب قفزة هائلة في عنان سماء المجد السياسي.. لكن تلقيحه وحقنه بخبر (الرفض) سحب عنه كثيراً من الأضواء بل وربما يمحوه تماماً عند بعض المتلقين للخبر.. وهنا أجدني في حاجة ماسة للسؤال.. هل تتدخل إدارة الإعلام في القصر الجمهوري في تحديد (الإخراج) الإعلامي لقرارات الرئيس.. أم أنها تتعامل مع الأمر بفقه (أجر المناولة).. تتسلم نص القرار وتنشره للإعلام.. و(الخبر داخل الصحيفة على مسؤولية ناشره) على سياق الحكمة الشعبية (العفش داخل البص على مسؤولية صاحبه). فلو كنت المسوؤل عن إعلام الرئاسة.. لحجبت عن النشر تماماً خبر (رفض) الرئيس للاستقالة في اليوم الأول.. حتى تنفرد الاستقالة بأثير اليوم الأول كله.. ثم يأتي الرفض ليزيد من ألق الممارسة.. فنبدو مثل الدول الكبرى الرشيدة.. التي (عادي جداً) فيها أن يستقيل الوزير أو حتى الرئيس نفسه.. ولأسباب أقلّ كثيراً من الأسباب التي دفعت المهندس عبد الوهاب عثمان للاستقالة.. لكن التعجل بنشر قرار (رفض) الرئيس.. سيبدو عند المتلقي.. عند عامة الشعب.. كأنما هي محاولة لإطفاء بريق المسلك الذي انفرد به الوزير عبد الوهاب في ممارسة لا يسمع بها الشعب السوداني إلا في إسرائيل ودول أوروبا وأمريكا.. فقط لا غير.. بل للدرجة التي قد تجعل الحكومة في نظر الشعب كأنما تستنكف أن يكون لديها وزير حر ضميره.. قادر على أن يرفس الكرسي برجله ويخرج إلى بيته غير آسف على المنصب الحكومي. التيار