لقد انداحت مفاهيم وثقافة الإستراتيجية.. وهي كأنها لديهم تعني فن (التحديق) والتناول.. وفن الأداء وتلمس النتائج.. ثم تتلاحق الظروف والتحديات.. إذ تقول الآية الكريمة (ولقد خلقنا الإنسان في كبد).. أي تلاقي المشقات والمعاناة ليؤدي به ذلك للتجربة وتفادي المتشاكسات من الأحوال والمعطيات.. ومن هذا المنطلق اقتنع المدركون للمآلات بأنه ما تزايد فهم وإدراك الناس لأمر إلا وكان له مرامي ورؤية وأهداف متتاليات.. وعندئذ تأتي السياسة والإدارة.. أي التنفيذ والقياس.. ومن هنا احتاجت الإستراتيجية لمن يدير شأنها حتى تصير نظاماً يجلس إليه عند نهاية كل مسيرة ومرحلة.. والإستراتيجية كما أسلفنا في بعض مداخلاتنا.. هي دلالة (حربية/ عسكرية) وترمي إلى فن التكتيك والتفوق لكسب وتجاوز التحدي.. والواقع الذي مكنت له الممارسة و(الدولة) في مراحل تقاطعاتها قد جعل السودان يقبل على التفكير والتخطيط الممتد.. وهذا يختلف.. كما أسلفت يوماً.. عن ذاك الذي يفكر ويأكل رزق (السنة بالسنة).. أي (الحول إلى الحول).. وبالدارج الشعبي (رزق اليوم باليوم) لكن لفتت أنظار المؤسسات والهيئات المخططة أن تنظر للأفق.. فجاءت الخطة (ربع) القرنية.. أي (25) عاماً.. ثم فصلت (خمسية) تخرج منها الأخرى (السنوية).. وتتدافع متابعاتها في التنفيذ والأداء.. حيث تقرأ المخرجات وتصوب فواصل الضعف فيها وتقوي إيجابياتها.. وتنسب الأفعال للطموح ثم تسد الفرج.. وحينها يرى الجميع (الشجرة) كيف بسقت وترادفت ثمارها ثم يحوطها القائمون بالرعاية حتى لا تطالها الفئوس.. فتكدر ساقها المصان.. وتجفف أوراقها الظليلة الورافة.. وهكذا قال لهم وأثبت مبتدر الإستراتيجية الأستاذ الدكتور (تاج السر محجوب).. ولكي تكون هي قريبة من منابتها (أي الإستراتيجية).. مكّن لها بجوار وزارة الأشجار والزراعة.. قريباً من (قصرنا الجمهوري) ليكون المشرف المطل عليها حيناً وآخر هو (المشير البشير) رئيس الجمهورية.. ومن هنا كانت وقفات (أمين الإستراتيجية) د. تاج السر.. السنوية.. ويرعى منبرها الأخ (الرئيس).. وكان (تاج السر) رباناً حريكاً.. لا تصل أنت لولاية إلا ووجدته أمامك.. أو قالوا لك قد نزل عندنا بالأمس.. أو جاء اليوم.. مثلما وجدناه يوماً مع الأخ: (مهندس الحاج عطا المنان).. بمدينة (نيالا) حين كان والياً لجنوب دارفور.. أو أمضي يوماً (بالفاشر) أو بجنوب كردفان.. ثم هكذا.. وإذا بالخرطوم وهي ولاية الابتكار والابتدار.. ترى أن تكون لها (خلية) إستراتيجية.. يبني عليها (النحل) تراكيبه.. وأن تكون هذه الخلية قريبة من مكامن (السكر).. العسل بمدينة الطائف شرق المطار الدولي.. فانشأت الخرطوم مجلساً إستراتيجياً كان هو هذه الخلية.. وتسنم قيادته الأخ الدكتور (الفاتح عز الدين).. وأخذ هو ورصفاؤه يضعون الرؤية والهدف ومخطط المآلات والمقاصد.. ولا يكون ذلك إلا بمرتكز وبوابات وهيكل داخلي محكم يرعى الفكرة ويدير أنفاسها.. ولا تزهر غصونها إلا بتؤدة ومياه تتقاطر.. حتى تنمو.. وقد تعارف الناس عليها واكتشفوا أنها شجيرة (المورنقا) المفيدة.. فأخذوا يتعاطون ثمارها ويغرسون جذورها.. فلما نمت في عاصمة السودان الأولى (الخرطوم) جاءها (أي العاصمة).. أخي الدكتور الناشط (عبد الرحمن أحمد الخضر والياً) فنظر هنا وهناك.. وقد ذهب أخي (د.الفاتح عز الدين) إلى المجلس التشريعي القومي.. فقال (عبد الرحمن الخضر) ما لي لا أرى (السعيد عثمان محجوب).. وما لي لا أرى (خبراء) آخرين.. كانوا يديرون شأن الناس جنوب قاعة الصداقة.. مع أخيهم (محمد مندور المهدي).. فإذا المهندس (السعيد) رئيساً للمجلس الأعلى للتخطيط الإستراتيجي ووزيراً بمجلس وزراء ولاية الخرطوم.. فصقل (السعيد) الأمانة والإدارة القائمة على شأن الإستراتيجية بالولاية.. ثم استعان على الوزارات والمحليات والهيئات بولاية الخرطوم (بخبراء) يمشون بينها ومعها بالثقافة والمفاهيم التي تؤدي بالوطن لمرتقيات الغد.. وأحلام التفوق وتطويع واقتحام المدلهمات.. فكان على رأس الإدارات المؤسسية (الإدارة الإستراتيجية) التي تقوم بالشأن الناجح في كل مجال.. ويكون لكل مؤسسة (مجلس) من أهل الفطنة.. والخبرة وحب الوطن.. يزيد عدداً عن (الستين) فالقاً.. يكونون عوناً (للوزير) المعني أو (المعتمد) أو (الهيئة) ولا ينامون أبداً عن الخطة والقياس المستدام لبلوغ الغايات.. ولهذا فقد استشار (السعيد) غيره آخذاً الحكمة القائلة (لا خاب من استشار ولا ندم من استخار).. فأحكم إداراته القائمة على (المجلس الإستراتيجي).. وأحكم أجهزتها المعاصرة.. وأغلظ على التسيب وأحنى على الإخاء والتعاون.. قدم وطرح عطاءه وأداءه لمنابر الرصد والمتابعة.. فقالت له: أحسنت.. فسر بعون الله.. فكأنه يريد أن يقول هؤلاء آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع. والله أكبر